للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمر الآخرة، وحذروهم النار، ورغبوهم في الجنة. وَمِنْ خَلْفِهِمْ يعني: زهّدوهم في الدنيا، فلم يقبلوا، وقد قيل: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يعني: ما خلق قبلهم، كيف أهلكهم الله، ومما خلفهم من أمر الآخرة. فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ يعني: تعظموا عن الإيمان عن قول لا إله إلا الله، بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً.

يقول الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ وقواهم، هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً يعني: بطشاً، ولم يعتبروا بذلك. وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يعني: جاحدين بما آتاهم هود- عليه السلام-، أنه لا ينزل بهم.

قوله عز وجل: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً يعني: ريحاً بارداً، ذا صوت ودوي تحرق، كما تحرق النار. ويقال: رِيحاً صَرْصَراً أي: شديدة الصوت، فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ. قال مقاتل: يعني: شدائد. وقال الكلبي: يعني: أيام مشؤومات. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ بجزم الحاء، والباقون: بكسر الحاء، ومعناهما واحد. ويقال: يوم نحس، ويوم نحس، وأيام نحسه، ونحسه، والنحسات جمع الجمع.

لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ يعني: العذاب الشديد في الدنيا، قبل عذاب الآخرة. وهذا كقوله: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم: ٤١] يعني: ليصيبهم بعض العقوبة في الدنيا. كقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني: يتوبون.

ثم قال عز وجل: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ يعني: أشد مما كان في الدنيا. وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ يعني: لا يمنعهم أحد من عذاب الله، لا في الدنيا، ولا فى الآخرة. وَأَمَّا ثَمُودُ قرأ الأعمش: ثَمُودُ بالتنوين. وقراءة العامة بغير تنوين.

فَهَدَيْناهُمْ يعني: بيّنا لهم الحق من الباطل، والكفر من الإيمان. وقال مجاهد:

فَهَدَيْناهُمْ أي: دعوناهم. وقال قتادة ومقاتل: بيّنا لهم. وقال القتبي: دعوناهم، ودللناهم، فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى يعني: اختاروا الكفر على الإيمان. ويقال: اختاروا طريق الضلالة، على طريق الهدى، فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ والصاعقة هي العذاب الْهُونِ.

يعني: يهانون فيه. ويقال: الهون الشديد. بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني: يعملون من الشرك، والمعاصي.

قوله عز وجل: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ يعني: آمنوا بصالح النبي عليه السلام، وَكَانُوا يَتَّقُونَ عقر الناقة، ويتقون الشرك، والفواحش.

[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٩ الى ٢٥]

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)

فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>