للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال عز وجل: وَاللَّهُ غَفُورٌ لمن تاب رَحِيمٌ بهم بعد التوبة.

قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الآية. نزلت في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليقبض الصدقات، فخرجوا إليه ليبجلوه، ويعظموه، فخشي منهم، لأنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية. فرجع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم وقال:

خرجوا إِليَّ بأسلحتهم، ومنعوا مني الصدقات وطرحوني وأرادوا قتلي فهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبعث لقتالهم، فجاؤوا إلى المدينة، وقالوا: يا رسول الله لما بلغنا قدوم رسولك، خرجنا نبجله، ونعظمه، فانصرف عنا، فاغتم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بما فعل الوليد بن عقبة، فنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ يعني: بحديث كذب وبخبر كذب فَتَبَيَّنُوا يعني: وتعرفوا ولا تعجلوا أَنْ تُصِيبُوا يعني: كيلا تصيبوا قَوْماً بِجَهالَةٍ وأنتم لا تعلمون بأمرهم فَتُصْبِحُوا يعني: فتصيروا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ. قرأ حمزة، والكسائي: فَتَثَبَّتُوا بالثاء.

وقرأ الباقون: فَتَبَيَّنُوا مثل ما في سورة النساء.

ثم قال للمؤمنين رضي الله عنهم: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ يعني: ما أمرتم به، لأن الناس كانوا قد حرضوه على إرسالهم لقتال بني المصطلق، لَعَنِتُّمْ يعني: لأثمتم. وروى أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ. هذه الآية: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ يعني: هذا نبيكم، وخياركم لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ فكيف بكم اليوم. ويقال: لَعَنِتُّمْ أي: لهلكتم. وأصله من عنت البعير إذا انكسرت رجله.

ثم ذكر لهم النعم فقال: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ يعني: جعل حب الإيمان في قلوبكم وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ يعني: حسنه للثواب الذي وعدكم. ويقال: دلكم عليه بالحجج القاطعة. ويقال: زينه في قلوبكم بتوفيقه إياكم لقبوله وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ يعني: بغض إليكم المعاصي، والكفر لما بينه من العقوبة.

ثم قال: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ يعني: المهتدون. فذكر أول الآية على وجه المخاطبة، وآخر الآية بالمغايبة. ثم قال: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ليعلم أن جميع من كان حاله هكذا، فقد دخل في هذا المدح. وفي الآية دليل أن من كان مؤمناً، فإنه لا يحب الفسوق والمعصية، لأن الله تعالى قال: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ والمؤمن إذا ابتلي بالمعصية، فإن شهوته وغفلته تحمله على ذلك، لا لحبه للمعصية. ثم قال: أي ذلك التحبيب والتبغيض فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً يعني: كان الإيمان الذي حببه إليكم، والكفر الذي بغضه إليكم، كان فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً يعني: رحمة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه حَكِيمٌ في أمره وقضائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>