للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: أين الملجأ من النار؟ قرئ في الشاذ، أين المفر بالكسر للفاء، على معنى: أين مكان الفرار. وقراءة العامة بالنصب، يعني: أين الفرار.

ثم قال: كَلَّا لاَ وَزَرَ يعني: حقاً لا جبل يلجئون إليه، فيمنعهم من النار، ولا شجر يواريهم. والوزر في كلام العرب، الجبل الذي يلتجئ إليه، والوزر والستر هنا، الشيء الذي يستترون به. وقال عكرمة: ولا وزر. يعني: منعه. وقال الضحاك: يعني: لا حصن لهم يوم القيامة. ثم قال عز وجل: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ

يعني: المرجع يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

يعني: يسأل ويبين له، ويجازى بما قدم من الأعمال وأخر، من سنة صالحة أو سيئة.

قوله عز وجل: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

يعني: جوارح العبد شاهدة عليه.

ومعناه على الإنسان من نفسه شاهد، يشهد عليه كل عضو بما فعل. ويقال يعني: جوارح، العبد شاهدة عليه، ومعناه رقيب بعضها على بعض. والبصيرة أدخلت فيها الهاء للمبالغة، كما يقال: رجل علامة. وقال الحسن: على نفسه بصيرة، يعني: بعيوب غيره، الجاهل بعيوب نفسه وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ

يعني: ولو تكلم بعذر لم يقبل منه. ويقال: ولو أرخى ستوره، يعني: أنه شاهد على نفسه، وإن أذنب في الستور.

قوله تعالى: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ

يعني: لا تعجل بقراءة القرآن، من قبل أن يفرغ جبريل- عليه السلام- من قراءته وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، - رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذا نزل عليه القرآن، تعجل به للحفظ فنزل: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ

لِتَعْجَلَ

بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ

يعني: حفظه في قلبك وَقُرْآنَهُ

يعني: يقرأ عليك جبريل، حتى تحفظه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

يعني: إذا قرأ عليك جبريل فاقرأ أنت بعد قراءته وفراغه وقال محمد بن كعب: فاتبع قراءته، يعني: فاتبع حلاله وحرامه. وقال الأخفش: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ

يعني: تأليفه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

يعني: تأليفه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ يعني: بيان أحكامه وحدوده. ويقال: علينا بيانه، يعني: شرحه. ويقال: بيان فرائضه، كما بين على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلم.

ثم نزل بعد هذه الأحكام، قوله تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ يعني: تحبون العمل للدنيا وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ يعني: تتركون العمل للآخرة. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو بل يحبون بالياء، على معنى الخبر عنهم. والباقون بالتاء، على معنى المخاطبة. ثم بين حال ذلك اليوم فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ أي: حسنة مشرقة مضيئة، كما قال في آية أخرى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) [المطففين: ٢٤] إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ يعني: ناظرين يومئذ إلى الله تبارك وتعالى. وقال مجاهد: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ يعني: تنتظر الثواب من ربها. وهذا القول لا يصح، لأنه مقيد بالوجوه، موصول بإلى، ومثل هذا، لا يستعمل في الانتظار.

<<  <  ج: ص:  >  >>