للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق على مراتب ثلاث، ميت في الأحوال كلها كالكافر، وحي في الأحوال كلها كالمؤمن لقوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام: ١٢٢] ، ومريض كالمنافق.

ثم قال تعالى: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وهذا اللفظ يحتمل معنين: يحتمل الخبر عن الماضي، ويحتمل الدعاء فإن كان المراد به الخبر فمعناه: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً إلى مرضهم، كما قال في آية أخرى فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: ١٢٥] ، لأن كل سورة نزلت يشكون فيها، فكان ذلك المرض لهم، وللمؤمنين زيادة اليقين. وإن كان المراد به الدعاء، فمعناه: فزادهم الله مرضاً على مرضهم، على وجه الذم والطرد لهم، كما قال في آية أخرى قاتَلَهُمُ اللَّهُ [التوبة: ٣٠] أو لعنهم الله، فإن قيل: كيف يجوز أن يحمل على وجه الدعاء، وإنما يحتاج إلى الدعاء عند العجز؟ قيل له: هذا تعليم من الله تعالى أَنَّهُ يجوز الدعاء على المنافقين والطرد لهم، لأنهم شر خلق الله تعالى، لأنه وعد لهم يوم القيامة الدرك الأسفل من النار.

ثم قال: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني مؤلم، أي عذاب وجيع الذي يخلص وجعه إلى قلوبهم.

قوله: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ أي مجازاة لهم بتكذيبهم.

قرأ حمزة وابن عامر فَزادَهُمُ اللَّهُ بكسر الزاي، وهي لغة بعض العرب، وقرأ عاصم وأبو عمرو بالفتح، وهي اللغة الظاهرة، وقرأ أهل الكوفة عاصم وحمزة والكسائي يَكْذِبُونَ بتخفيف الذال، وقرأ الباقون بالتشديد. فمن قرأ بالتخفيف فمعناه: بما كانوا يكذبون بقولهم أنهم مؤمنون، وجحدوا في السر لأنهم كفروا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم في السر. ومن قرأ بالتشديد فمعناه: بما كانوا يكذبون، يعني ينسبون محمداً إلى الكذب، ويجحدون نبوته.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١١]]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١)

قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ، قرأ الكسائي برفع القاف وكذلك كل ما ذكر في القرآن مثل: قيل وحيل وسيق، وقرأ حمزة وعاصم وغيرهما بكسر القاف. وأصله في اللغة قول مع الواو، فحذفت الواو للتخفيف، فجعل الكسائي الرفع مكان الواو وغيره، وقرأ بالكسر للتخفيف. والآية نزلت في شأن المنافقين وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني المنافقين لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي: لا تعملوا فيها بالمعاصي وهو الفساد لأن الأرض كانت قبل أن يبعث النبي- عليه السلام- فيها الفساد، وكان يُعمل فيها بالمعاصي، فلما بعث الله النبي- عليه السلام- ارتفع الفساد وصلحت الأرض فإذا عملوا بالمعاصي فقد أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، كما قال في آية أخرى وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها [الأعراف: ٥٦ و ٨٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>