للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الكفر، وأصلحوا أعمالهم بالتوبة. ويقال: أصلحوا لمن أفسدوا من الناس فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لما كان منهم في الكفر رَّحِيمٌ بهم بعد التوبة. قال الكلبي ومقاتل لما نزلت هذه الآية، أي الرخصة بالتوبة، كتب أخو الحارث بن سُوَيْد، إلى الحارث: إن الله قد عرض عليكم التوبة، فرجع وتاب. وبلغ ذلك إلى أصحابه الذين بمكة، فقالوا: إن محمداً تتربص به ريب المنون. فقالوا: نقيم بمكة على الكفر، متى بدا لنا الرجعة رجعنا، فينزل فينا ما نزل في الحارث، فتقبل توبتنا فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً أي ثبتوا على كفرهم بقولهم: نقيم بمكة ما بدا لنا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ما أقاموا على الكفر.

قال الزجاج: كانوا كلما نزلت آية كفروا بها، فكان ذلك زيادة كفرهم. وقوله: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، أي توبتهم الأولى، وحبط أجر عملهم. ويقال: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، معناه أنهم لن يتوبوا. كما قال: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ [سورة البقرة: ٤٨] ، أي لا يشفع لها أحد، ثم قال تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ عن الإسلام، وهم الذين لم يتوبوا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ قال الكلبي: يعني وزن الأرض ذهباً.

وقال مقاتل: إن الكافر إذا عاين النار في الآخرة، يتمنى أن يكون له الأرض ذهباً، فيقدر على أن يفتدي به نفسه من العذاب، لافتدى به ولو افتدى به ما تقبل منه، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، ونظيرها في سورة المائدة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الْأَرْضِ [المائدة: ٣٦] .

قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ الآية.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٢]]

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قال ابن عباس في رواية أبي صالح أنه قال لن تنالوا ما عند الله من ثوابه في الجنة، حتى تنفقوا مما تحبون، أي حتى تخرجوا أموالكم طيبة بها أنفسكم. وقال مقاتل: يعني لن تنالوا التقوى، حتى تنفقوا مما تحبون من الصدقة، أي بعض ما تحبون من الأموال وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ يعني الصدقة وصلة الرحم فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ أي لا يخفى عليه، فيثيبكم عليه. ويقال: لن تنالوا البر حتى تستكملوا التقوى. ويقال:

لا تكونوا بارين، حتى تنفقوا مما تحبون، أي من الصدقة، أي بعض ما تحبون من الأموال.

وروي عن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يشتري أعدالاً من السُّكَّر، ويتصدق بها. فقيل له: هلا تصدقت بثمنه؟ فقال: لأنَّ السُّكَّر أَحبّ إِليَّ، فأردت أن أتصدق مما أحب.

وروي عن عبد الله بن عمر أنه اشترى جارية جميلة، وكان يحبها، فمكثت عنده أياماً، ثم أعتقها وزوجها من رجل، فَوُلِد لها ولد، فكان يأخذ ولدها، ويضمّه إلى نفسه. ويقول:

أشم منك ريح أمك. فقيل له: قد رزقك الله من حلال، وأنت تحبها، فلم تركتها؟ فقال: ألم

<<  <  ج: ص:  >  >>