للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال تعالى: فَسَوَّاهُنَّ أي خلقهن سَبْعَ سَماواتٍ وهن أعظم من خلقكم وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي بخلق كل شيء عليم. ومعناه: أن الذي خلق لكم مَّا فِى الارض جميعاً وخلق السماوات قادر على أن يحييكم بعد الممات. قرأ نافع والكسائي وأبو عمرو (وهْو) بجزم الهاء. وقرأ الباقون بضم الهاء وَهُوَ في جميع القرآن، وهما لغتان ومعناهما واحد.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٣٠]]

وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٣٠)

قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ، روي عن أبي عبيدة أنه قال: معناه وقال ربك للملائكة وإذ زيادة. وروي عن الفراء أنه قال: واذكر معناه إذ قال ربك. وقال مقاتل: معناه، وقد قال ربك للملائكة. والملائكة: جماعة الملك. وهذا اللفظ على غير القياس لأنه يقال:

ملائكة بالهمز ويقال للواحد: ملك بغير همز. وإنما قيل ذلك لأنه في الأصل كان مألك بالهمز فأسقط الهمز للتّخفيف. وأصله من: ألك يألك ألوكاً وهو الرسالة. كما قال القائل:

وَغُلاَمٌ أَرْسَلَتْهُ أُمُّه ... بِأَلُوكٍ، فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ.

وإنما سميت الملائكة ملائكة، لأنهم رسل الله تعالى وإنما إراد هاهنا بعض الملائكة، «وهم الملائكة الذين كانوا في الأرض. وذلك أن الله تعالى لما خلق الأرض، خلق الجان مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ، أي من لهب من نار لا دخان لها، فكثر نسله، وهم الجان بنو الجان، فعملوا في الأرض بالمعاصي وسفكوا الدماء، فبعث الله تعالى ملائكة سماء الدنيا، وأمر عليهم إبليس وكان اسمه عزازيل، حتى هزموا الجن، وأخرجوهم من الأرض إلى جزائر البحار، وسكنوا الأرض فصار الأمر عليهم في العبادة أخف، لأن كل صنف من الملائكة يكون أرفع في السماوات فيكون خوفهم أشد، وملائكة سماء الدنيا يكون أمرهم أيسر من الذين فوقهم، فلما سكنوا الأرض صار الأمر عليهم أخف مما كانوا، وسكنوا الأرض واطمأنوا إليها، وكل من اطمأن إلى الدنيا أمر بالتحول عنها. فأخبرهم الله تعالى أنه يريد أن يخلق في الأرض خليفة فذلك قوله تعالى وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ، يعني الذي هم في الأرض إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً يعني أريد أن أخلق في الأرض خليفة سواكم. فشق ذلك عليهم وكرهوا ذلك قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها، يعني أتخلق فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيها كما أفسدت الجن وَيَسْفِكُ الدِّماءَ كما سفكت الجن وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، أي نصلي لك بأمرك. ويقال معناه: نحن نسبح بحمدك ونحمدك وَنُقَدِّسُ لَكَ. قال بعضهم: نقدس أنفسنا لك، يعني نطهر أنفسنا بالعبادة عن المعصية. وقال بعضهم: نقدس لك، أي ننسك إلى الطهارة ونقدس أنفسنا لَكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>