للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك آداب وسنن. فإن قيل: الآية إذا قرئت بقراءتين فالله تعالى قال بهما جميعاً أو بإحداهما؟

قيل له: هذا على وجهين: إن كان لكل قراءة معنى غير المعنى الآخر، فالله تعالى قال بهما جميعاً، وصارت القراءتان بمنزلة الآيتين، وإن كانت القراءتان معناهما واحد، فالله تعالى قال لإحداهما، ولكنه رخص بأن يقرأ بهما جميعاً.

ثم قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا قد يوصف الجمع بصفة الواحد كقوله وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً وكقوله: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ قوله: فَاطَّهَّرُوا معناه فتطهروا إلا أن التاء أدغمت في الطاء لأنهما من مكان واحد فإذا، أدغمت فيها سكن أول الكلمة وزيدت ألف الوصل للابتداء. ثم قال: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مآء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ يعني من الصعيد. ثم قال: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ يقول: لا يكلفكم في دينكم من ضيق وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ يعني: يطهركم من الأحداث والجنابة وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بما أنعم من الرخص لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لكي تشكروا الله لما رخص لكم ولم يضيق عليكم.

قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يقول: احفظوا منن الله عليكم بإقراركم بوحدانية الله تعالى وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ يعني يوم الميثاق حين أخرجهم من صلب آدم- عليه السلام- وقال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: ١٧٢] هكذا قال في رواية الكلبي ومقاتل والضحاك. وقال بعضهم: هو الميثاق الجبلة والإدراك، فكل من أدرك فقد أخذ عليه الميثاق، وشهدت له خلقته وجبلته فصار ذلك كالإقرار منه، ثم قال إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا يوم الميثاق، قلتم سمعنا قولك يا ربنا وأطعنا أمرك. ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ في نقض العهد والميثاق إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، يعني: عالم بسرائركم. ثم قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ يعني قوالين بالحق. ثم قال: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا وذلك أن الله تعالى لما فتح على المسلمين مكة، أمر الله المسلمين أن لا يكافئوهم بما سلف، وأن يعدلوا في القول والحكم والنصفة. وذلك قوله اعْدِلُوا يعني قولوا الحق والعدل هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى يعني فإنه أقرب للطاعة. ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ يقول: واخشوا الله بما أمركم به إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ من الطاعة وغيره.

ثم بيّن ثواب من عمل بطاعته فقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني الطاعات لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ عَظِيمٌ يعني ثواب عظيم في الجنة. ويقال: إن أهل مكة قالوا بعد ما أسلموا: ما لنا في الآخرة وقد أخرجناك وأصحابك. فقالوا: وعد الله الذين آمنوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وعملوا الصالحات بعد الإسلام لهم مغفرة لما فعلوا في حال الشرك وأجر عظيم في الآخرة. ثم قال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يعني: جحدوا وكذبوا

<<  <  ج: ص:  >  >>