للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي وقال: هذا بغير فكرة. فكان ذلك منه زلة. ويقال: إنما قال ذلك على سبيل الاستفهام أهذا ربي؟ فَلَمَّا أَفَلَ يعني: غاب الكوكب قالَ: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ يعني: لا أحب ربنا يتغير عن حاله ويزول فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً يعني: طالعاً. ويقال: إن ذلك كان في وقت السحر، وكان ذلك في آخر الشهر. فرأى كوكباً يعني: الزهرة، حين طلعت، وكان من أضوء الكواكب. فلما ارتفع وطلع الفجر نقص ضوءه قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ يعني: لا أحب ربنا يتغير. فلما رأى القمر فرأى ضوءه أكثر قالَ هذا رَبِّي على سبيل الاستفهام فَلَمَّا أَفَلَ يعني: نقص ضوءه حين أسفر الصبح قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ يعني: لئن لم يحفظ ربي قلبي. لقد كنت اتخذت إلها ما لم يكن إلهاً فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً يعني: طالعة قد ملأت كل شيء ضوءاً ف قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ يعني: أعظم وأكثر نوراً فَلَمَّا أَفَلَتْ يعني: غربت. علم أنه ليس بإله.

فجاءته أمه فقال لها: من ربي؟ قالت: أنا. قال: ومن ربك؟ قالت: أبوك. قال: ومن رب أبي؟ قالت: نمرود بن كنعان. قال: ومن ربه؟ قالت له: اسكت. فقال لها: كيف هو؟ هل يأكل ويشرب وينام؟ قالت: نعم. قال: هذا لا يصلح أن يكون ربًّا وإلها. فرجعت الأم إلى أب إبراهيم، فأخبرته بالقصة فخرج إليه فسأله مثل ذلك. ثم قال له في آخره: تعال حتى تعبد الذي خلقني وخلقك وخلق نمرود. فغضب أبوه، فرجع عنه، ثم دخلت عليه رأفة الوالد لولده، فرجع إليه. وقال له: ادخل المِصْر لتكون معنا، فدخل فرأى القوم يعبدون الأصنام.

فدعوه إلى عبادة الأصنام ف قالَ لهم حينئذ: يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ فقيل له من تَعْبُد أنت يا إبراهيم؟ فقال أعبد الله الذي خلقني وخلق السموات والأرض.

فذلك قوله: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ يعني: أخلصت ديني وعملي لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ يعني: خلق السموات وَالْأَرْضَ حَنِيفاً يقول: إني وجهت وجهي مخلصاً مستقيماً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ على دينكم. ويقال: إن قوله هذا رَبِّي قال ذلك لقومه على جهة الاستهزاء بهم. كما قَالَ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: ٦٣] ويقال: أراد بهذا أن يستدرجهم فيظهر قبيح فعلهم، وخطأ مذهبهم وجهلهم. لأنهم كانوا يعبدون النجوم والشمس، والقمر. فَلَماَّ رَأَى الكوكب قال لهم: هذا رَبِّي. وأظهر لهم أنه يعبد ما يعبدون.

فلما غاب الكوكب قال لهم: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فأخبرهم بأن الآفل لا يصلح أن يكون إلها.

ثم قال في الشمس والقمر هكذا. كما روي عن عيسى- عليه السلام- أنه بعث رسولاً إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>