للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، قال ابن عباس:

وذلك أن بني إسرائيل قيل لهم في التوراة: أيما قتيل وجد بين قريتين لا يدرى قاتله، فليقس إلى أيتهما أقرب، فعمد رجلان أخوان من بني إسرائيل إلى ابن عم لهما واسمه عاميل، فقتلاه لكي يرثاه وكانت ابنة عم لهما شابة جميلة حسناء، فخشيا أن ينكحها ابن عمها عاميل، ثم حملاه إلى جانب قرية، فأصبح أهل القرية والقتيل بين أظهرهم، فأخذ أهل القرية بالقتيل وجاءوا به إلى موسى.

وروى ابن سيرين عن عبيدة السلماني أن رجلاً كان له قرابة فقتله ليرثه ثم ألقاه على باب رجل، ثم جاء يطلب بدمه، فهموا أن يقتتلوا ولبس الفريقان السلاح، فقال رجل: أتقتتلون وفيكم نبي الله؟ فجاؤوا إلى موسى- عليه الصلاة والسلام- فأخبروه بذلك، فدعا الله تعالى في ذلك أن يبيِّن لهم المخرج من ذلك، فأوحى الله تعالى إليه، فأخبرهم بذلك وقال: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها، يعني بعض أعضاء تلك البقرة فيحيا، فيخبركم من قتله قالُوا: يا موسى، أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟ قرأ عاصم في رواية حفص برفع الزاي بغير همز، وقرأ حمزة بسكون الزاي مع الهمزة، وقرأ الباقون بالهمز ورفع الزاي. ومعناه أتتخذنا سخرية، يعني أتسخر بنا يا موسى؟ فإن قيل: ألم يكن هذا القول منهم كفراً، حيث نسبوه إلى السخرية؟

قلنا: الجواب أن يقال قد ظهر عندهم علامات نبوته وعلموا أن قوله حق، ولكنهم أرادوا بهذا الكشف والبيان ولم يريدوا به الحقيقة ف قالَ لهم موسى أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، يعني أمتنع بالله. ويقال: معاذ الله أن أكون من المستهزئين.

قال ابن عباس في رواية أبي صالح: فلو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا على أنفسهم بالمسألة فشدد الله عليهم بالمنع لما قالُوا: يا موسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ، أي سل لنا ربك أن يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ، أي يبيِّن لنا كيفية البقرة، إنها صغيرة أو كبيرة. قالَ لهم موسى: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لاَّ فارِضٌ وَلا بِكْرٌ، يعني لا كبيرة هرمة، ولا صغيرة عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ، وسطاً ونصفاً بين ذلك يعني بين الصغيرة والكبيرة. وقد قيل في المثل: «العوان لا تعلَّم الخُمْرة» ، يعني أن المرأة البالغة ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تختمر.

وقوله تعالى: فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ولا تسألوا. فسألوا وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. قالُوا: يا موسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ، أي سل لنا ربك يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها، قال لهم موسى: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها، يعني شديد الصفرة. كما يقال: أصفر فاقع إذا كان شديد الصفرة، كما يقال: أسود حالك، وأبيض يقق، وأحمر قاني، وأخضر ناصع إذا وصف بالشدة. وقال بعضهم: أراد به بقرة صفراء الظلف والقرن، أي شعرها وظلفها وقرنها

<<  <  ج: ص:  >  >>