للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قبل بناء المسجد، أن يقدم عليهم لهم من قبل الشام، وهو أبو عامر الراهب. وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى، يعني: ما أردنا ببناء المسجد إلاَّ صواباً، لكيلا تفوتنا الصلاة بالجماعة، ولكي يرجع أبو عامر الراهب ليسلم. وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما حلفوا، وإنَّما اجتمعوا فيه لإظهار النفاق والكفر.

ثم قال تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، يعني: لا تصلِّ فيه أبداً، لأنهم طلبوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي ويصلي فيه، لكي يتبركوا بصلاته فيه، فنهاه الله تعالى عن ذلك، ونزل لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً حتى للصلاة فيه ثم قال: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، يعني: المسجد الذي بني على التوحيد من أول يوم. قال الأخفش: بني لوجه الله تعالى يعني: منذ أول يوم، ويقال: بني للذكر والتكبير والتهليل ولإظهار الإسلام وقهر الشرك من أول يوم بني. ثم قال:

أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، يعني: أولى وأجدر أن تصلي فيه.

ثم قال: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، يعني: الاستنجاء بالماء، ويقال: يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا يعني: يطهروا أنفسهم من الذنوب. وذلك أن ناساً من أهل قباء كانوا إذا أتوا الخلاء، استنجوا بالماء وهم أول من فعل ذلك واقتدى بهم من بعدهم. وروي في الخبر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقف بباب المسجد بعد نزول الآية وقال لمن فيه: «إنّ الله قَدْ أحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي طَهُورِكُمْ فَبِمَ تَطَهَّرُونَ» ؟ قالوا: نستنجي بالماء، فقرأ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الآية «١» ، فذلك قوله: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ يعني: المتطهرين.

وقال سعيد بن المسيب: «المسجد الذي أسس على التقوى، مسجد المدينة الأعظم» «٢» .

وعن سهل بن سعد الساعدي قال: «اختلف رجلان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال الآخر: هو مسجد قباء. فذكر ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «هُوَ مَسْجِدِي هذا» . وروي، عن ابن عباس أنه قال: «هُوَ مَسْجِدُ قباء» «٣» .

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لاَ يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠)

ثم قال تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ، يعني: أصَّل بنيانه يعني: مسجد قباء وقيل: مسجد


(١) عزاه السيوطي: ٤/ ٢٨٩ إلى ابن شيبة، وأحمد والبخاري وابن جرير والبغوي في معجمه والطبراني، وابن مردويه وابن نعيم.
(٢) عزاه السيوطي: ٤/ ٢٨٨ إلى ابن شيبة وأبي الشيخ.
(٣) عزاه السيوطي: ٤/ ٢٨٨ إلى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>