للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالب آخر مما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أمَا وَالله لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عنه» «١» ، فأنزل الله تعالى إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: ٥٦] ونزل مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية.

قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ. وروى سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: «كل القرآن أعلمه إلا أربعة: «غسلين، وحناناً، والأواه، والرقيم» . وروي عن عبد الله بن عباس، في رواية أُخرى أنه قال: الأواه الذي يذكر الله في أرض الوحشة» . وروي عن ابن مسعود أنه قال: «الأواه الرحيم» . وقال مجاهد: الأواه الموقن. وقال الضحاك: الأواه الداعي الذي يلح في الدعاء إلى الله تعالى، المقبل إليه بطاعته. ويقال: الأواه المؤمن بلغة الحبشة. ويقال: الأواه معلم الخير. وقال كعب: الأواه الذي إذا ذكر الله، قال: أواه من النار.

وقال القتبي: المتأوه حزناً وخوفاً حَلِيمٌ يعني: حليما عن الجهل.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٥ الى ١١٦]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦)

قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا أنزل الله تعالى عليه الفرائض، فعمل بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون. ثم إن الله تعالى أنزل ما ينسخ به الأمر الأول، وقد غاب الناس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يبلغهم ذلك، فعملوا بالمنسوخ، وكانوا يصلون إلى القبلة الأولى ولا يعلمون، ويشربون الخمر ولا يعلمون تحريمها، فذكروا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ وإن عملوا بالمنسوخ، حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَّا يَتَّقُونَ، يعني: ما نسخ من القرآن، يعني: إنه قبل منهم ما عملوا بعد النسخ ولا يؤاخذهم بذلك. ويقال: وما كان الله ليهلك قوما في الدنيا، حتى يقيم عليهم الحجة ويقال: مَّا كَانَ الله ليعذّبهم في الآخرة، حتى يبين لهم ما يتقون. ويقال: لا يتركهم بلا بيان بعد أن أكرمهم بالإيمان، حتى يبيِّن لهم ما يحتاجون أن يتقوه، ويقال: لا ينزع الإيمان عنهم بعد أن هداهم إلى الإيمان، حتى يبين لهم الحدود والفرائض، فإذا تركوا ذلك ولم يروه حقاً، عذبهم الله تعالى ونزع عنهم المعرفة. ويقال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً على الابتداء حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ فيصيروا فيه ضلالاً. وهذا طريق المعتزلة، والطريق الأول أصح وبه نأخذ.

ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، يعني: عليم بكل ما يصلح للخلق.

ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يعني: يحكم فيهما بما يشاء بالأمر


(١) أخرجه البخاري (١٣٦٠) و (٣٨٨٤) و (٤٦٧٥) و (٦٦٨١) ومسلم (٢٤) وأحمد ٥/ ٤٣٣ والنسائي: ٤/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>