للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن أراد أن يقول ما أشك كما قال لعيسى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ علم أنه لم يقل، ولكن أراد أن يقول: ما قلت لهم «١» - وذلك أن كفار قريش، قالوا: إنّ هذا الوحي يلقيه إليه الشيطان، فأنزل الله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ من القرآن فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ يعني: مؤمني أهل الكتاب فسيخبرونك أنه مكتوب عندهم في التوراة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أسْأَلُ أحَداً، وَلا أشُكُّ فِيهِ، بَلْ أشُهَدُ أنَهُ الحَقُّ» . وقال القتبي: فيه تأويلان، أحدهما: أن تكون المخاطبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد فيه غيره من الشُّكّاك، لأن القرآن نزل عليه بمذاهب العرب وهم يخاطبون الرجل بشيء، ويريدون به غيره، كما قالوا: إيَّاك أعني، واسمعي يا جارية. وكقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ [الأحزاب: ١] أراد به الأمة، يدلك عليه قوله تعالى في آخره: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء: ٩٤] . وكقوله:

وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: ٤٥] . ووجه آخر: أن النّاس كانوا على ثلاث مراتب: منهم من كان مؤمناً، ومنهم من كان كافراً، ومنهم من كان شاكاً، وإنَّما خاطب بهذا الشَّاكَّ.

ثم قال تعالى: لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ يعني: القرآن فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ يعني: من الشاكين، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ يعني: بالكتاب وبالرسل فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ، يعني: من المغبونين.

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ، يعني: وجبت عليهم كلمة ربك بالسخط، وقدّر عليهم الكفر، لاَ يُؤْمِنُونَ يعني: لا يصدقون بالقرآن أنه من الله تعالى، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ يعني: علامة حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ يعني: الهلاك في الدنيا، والعذاب في الآخرة. قرأ نافع، وابن عامر: كلمات رَبَّكَ وقرأ الباقون: كَلِمَتُ رَبِّكَ.

[[سورة يونس (١٠) : آية ٩٨]]

فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨)

قوله تعالى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ يقول: لم يكن أهل قرية كافرة آمنت عند نزول العذاب فَنَفَعَها إِيمانُها وقبل منها الإيمان، ودفع عنهم العذاب إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ عليه السلام. قال مقاتل: فَلَوْلا، على ثلاثة أوجه: الأول فَلَوْلا يعني: فلم، مثل قوله تعالى:

فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ. الثاني: فَلَوْلا يعني: فهلاّ كقوله:

فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا [الأنعام: ٤٣] فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ [الواقعة: ٨٦] والثالث:


(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة «أ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>