للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ يعني: بما في قلوبهم من التصديق والمعرفة، إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ يعني: إن طردتهم فلم أقبل منهم الإيمان، بسبب احتقاركم إياهم ما لم أعلم ما في قلوبهم، كنت ظالماً على نفسي.

فعجز قومه عن جوابه، قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا، قال مقاتل: يعني: ماريتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا يعني: مراءنا. وقال الكلبي: دعوتنا فأكثرت دعاءنا. ويقال: وعظتنا فأكثرت موعظتنا.

فَأْتِنا بِما تَعِدُنا يعنيَ: لا نقبل موعظتك، فأتنا بما تعدنا من العذاب، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ بأن العذاب نازل بنا.

قالَ لهم نوح: إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ إن شاء يُعذبكم، وإن شاء يصرفه عنكم، وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ يعني: إن أراد أن يعذبكم لا تفوتون من عذابه.

ثم قال: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي يعني: دعائي وتحذيري ونصيحتي، إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ يعني: إن أردت أن أدعوكم من الشرك إلى التوحيد والتوبة والإيمان، إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ يعني: لا تنفعكم دعوتي، إن أراد الله أن يضلكم عن الهدى، ويترككم على الضلالة ويهلككم. هُوَ رَبُّكُمْ يعني: هو أولى بكم. ويقال: هو ربكم رب واحد ليس له شريك وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يعني: بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم.

ثم قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قَال مقاتل: هذا الخطاب لأهل مكة، معناه: أَتقولون إن محمداً تقوله من ذات نفسه قُلْ لهم: إِنِ افْتَرَيْتُهُ من ذات نفسي فَعَلَيَّ إِجْرامِي يعني: خطيئتي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ يعني من خطاياكم. وقال الكلبي: هذا الخطاب أيضاً لقوم نوح، يعني: قوم نوح أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ يعني: اختلقه من ذات نفسه. فقال لهم نوح:

إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي يعني: آثامي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ يعني: مما تأثمون.

[سورة هود (١١) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]

وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)

قوله تعالى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قال الحسن: إن نوحاً عليه السلام لم يدع على قومه، حتى نزلت هذه الآية: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فدعا عليهم عند ذلك رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] .

ثم قال تعالى: فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ من الكفر وذلك أن نوحاً ندم على دعائه، وجعل يبكي ويتأسف عليهم، فقال الله تعالى: فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ يعني: لا يحزنك إذا نزل بهم الغرق، بما كانوا يفعلون من الكفر.

ثم قال تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا يقول: اعمل السفينة، ويقال للواحد وللجماعة: الفلك، بِأَعْيُنِنا قال الكلبي: يعني: بمنظر منا، وَوَحْيِنا يعني: بوحينا إليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>