للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني: عذابنا، وهو الريح العقيم نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا يعني: بنعمة منا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ يعني: من العذاب الذي عذب به عاد في الدنيا، ومما يعذبون به في الآخرة.

قال تعالى: وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ يعني: كذبوا بعذاب ربهم إنه غير نازل بهم، ومعناه: يا أهل مكة، انظروا إلى حالهم كيف عذبوا في الدنيا وفي الآخرة. وهذا كقوله تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل: ٥٢] فكذلك هاهنا، وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ بَيَّنَ جرمهم، ثمّ بَيَّنَ عقوبتهم، فقال: وَعَصَوْا رُسُلَهُ يعني: عادا خاصة، ويقال: معناه كذبوا هوداً بما أخبرهم عن الرسل. وقيل: إنما جمع، لأن من كذّب رسولا واحدا فقد كذّب جميع الرسل، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يعني: عملوا بقول كل جبار.

ويقال: أخذوا بدين كل جبار. والجبار: الذي يضرب ويقتل عند الغضب، عَنِيدٍ يعني:

معرضاً ومجانباً عن الحق.

ثمّ بَيَّنَ عقوبتهم، فقال: وَأُتْبِعُوا يعني: ألحقوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً يعني: العذاب والهلاك، وهو الريح العقيم. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لعنة أُخرى، وهو عذاب النار إلى الأبد أَلا إِنَّ عادا كَفَرُوا رَبَّهُمْ فهذا تنبيه للكفار أن عاداً كفروا ربهم، فأهلكهم الله تعالى، فاحذروا كيلا يصيبكم بكفركم ما أصابهم بكفرهم، ويقال: أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ يعني: ينادي مناد يوم القيامة لإظهار حالهم: أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ وقال الضّحَّاك: ترفع لهم راية الغدر يوم القيامة، فينادي منادٍ يوم القيامة: هذه غدرة قوم عاد، فيلعنهم الملائكة وجميع الخلق، فذلك قوله تعالى: أَلا بُعْداً يعني: خزياً وسحقاً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ.

[سورة هود (١١) : الآيات ٦١ الى ٦٣]

وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣)

قوله تعالى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً يعني: وأرسلنا إلى ثمود. وإنما لم ينصرف، لأنه اسم القبيلة، وفي الموضع الذي ينصرف جعله اسماً للقوم. قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي:

وحدوا الله، وأطيعوه، مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني: ليس لكم رب غيره هُوَ أَنْشَأَكُمْ يعني:

هُوَ الذى خَلَقَكُمْ، مِنَ الْأَرْضِ يعني: خلق آدم من أديم الأرض، وأنتم ولده، وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها يعني: أسكنكم وأنزلكم فيها، وأصله: أعمركم. يقال: أعمرته الدار إذا جعلتها له أبداً،

<<  <  ج: ص:  >  >>