للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً يقول: لجمع الناس على ملة واحدة، وأكرمهم بدين الإسلام كلهم، ولكن علم أنهم ليسوا بأهل لذلك، وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ يعني: أهل الباطل في الدين إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ يعني: عصم ربك من الاختلاف.

وقال عطاء: ولا يزالون مختلفين، يعني: اليهود والنصارى والمجوس، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ بالحنيفية وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ يعني: الحنيفية خلقهم للرحمة. وقال الحسن: لِذلِكَ خَلَقَهُمْ يقول: للاختلاف، هؤلاء لجنته، وهؤلاء لناره.

وقال ابن عباس: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ «يعني: فريقين، فريقاً يرحم ولا يختلف» ، وفريقاً لا يرحم ويختلف. ويقال: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ يعني: للأمر والنهي، بدليل قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] يعني: للأمر والنهي، وقال الضحاك: وللرحمة خلقهم. وقال مقاتل: وللرحمة خلقهم، وهو الإسلام. وروى حماد بن سلمة، عن الكلبي قال: خلقهم أهل الرحمة، أن لا يختلفوا. وقال قتادة: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ للرحمة والعبادة، وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ يقول: لا يزال أهل الأديان مختلفين في دين الإسلام.

ثم استثنى بعضاً. وقال: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وهم المؤمنون أهل الحق، وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يقول: سبق ووجب قول ربك للمختلفين، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فهذا لام القسم، فكأنه أقسم أن يملأ جهنم من كفار الجنة والناس أجمعين.

قوله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ يعني: ننزل عليك من أخبار الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ يقول: ما نشدد به قلبك ونحفظه، ونعلم أن الذي فعل بك قد فعل بالأنبياء قبلك، وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ قال قتادة: أي في الدنيا. وقال ابن عباس: «يعني في هذه السورة» . وروى سعيد بن عامر، عن عوف، عن أبي رجاء، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فقرأ سورة هود وفسرها، فلما أتى على هذه الآية: وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ «قال: في هذه السورة» ، وقال سعيد بن جبير وأبو العالية ومجاهد مثله. وهكذا قال مقاتل: عن الفراء. ثم قال: وَمَوْعِظَةٌ يعني: تأدبة لهذه الأمة، وَذِكْرى يعني: عظة وعبرة، لِلْمُؤْمِنِينَ يعني:

للمصدقين بتوحيد الله تعالى.

[سورة هود (١١) : الآيات ١٢١ الى ١٢٣]

وَقُلْ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)

قال الله تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ يعني: لا يصدقون بتوحيد الله تعالى، اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ يعني: على منازلكم، على إهلاكي، إِنَّا عامِلُونَ في أمركم. يقال:

وَانْتَظِرُوا بهلاكي، إِنَّا مُنْتَظِرُونَ بكم العذاب والهلاك، فهذا تهديد لهم.

ثم قال تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: غيب نزول العذاب، متى ينزل

<<  <  ج: ص:  >  >>