للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ يعني: من إخوة يوسف لا تقتلوه، يعني: لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ فإن قتله عظيم. وقال الكلبي: كان صاحب هذا القول: يهوذا، لم يكن أكبرهم في السّن، ولكن كان أعقلهم. وقال قتادة والضحاك: صاحب هذا القول: روبيل، وكان أكبر القوم سناً. وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يعني اطرحوه في أسفل الجب. وقال الزجاج: الغيابة كل ما غاب عنك أو غيّبت شيئاً عنك. قرأ نافع: غيابات بلفظ الجماعة، وقرأ الباقون غَيابَتِ الْجُبِّ، لأن المعنى فيها على موضع واحد. وروي عن أبيّ بن كعب، أنه كان يقرأ: غيبة الجب. وقال الزجاج: الجُبُّ: البئر التي ليست بمطوية سميت جُبًّا، لأنها قطعت قطعاً، ولم يحدث فيها غير القطع.

ثم قال: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ يعني: يأخذه بعض من يمر عليه من المسافرين إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ يعني: إن كنتم لا بد فاعلين من الشر الذي تريدون. وروي عن الحسن، ومجاهد، أنهما قرءا: تلتقطه بالتاء، ومعناه: تلتقطه السيارة، وينصرف إلى المعنى. فلما قال لهم ذلك يهوذا أو روبيل، أطاعوه بذلك، وجاءوا إلى أبيهم وقالُوا يا أَبانا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ بأن ترسله معنا، وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ يعني: لحافظون. ويقال: محبون مشفقون. قرأ أبو جعفر القارئ المدني: لاَ تَأْمَنَّا بجزم النون، وقرأ الباقون تَأْمَنَّا بإشمام النون إلى الرفع، لأن أصلها تأمننا، فأدغمت إحداهما في الأخرى، وأقيم التشديد مقامها، وبقي رفعه.

ثم قال: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يعني: أخوة يوسف قالوا لأبيهم: أرسل يوسف معنا إلى الغنم يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ قال مجاهد: يحفظ بعضنا بعضاً، ونتحارس. وقال قتادة: ننشط ونسعى ونلهو. وقال القتبي: من قرأ بتسكين العين، أي نأكل يقال: رتعت الإبل إذا رعت. ومن قرأ بكسر العين، أراد به: نتحارس ويرعى بعضنا بعضاً، أي: يحفظ. قرأ ابن كثير: نَرْتَعِ بالنون وكسر العين، وَنَلْعَبُ بالنون. وقرأ نافع: يَرْتَعْ بالياء وكسر العين، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ بالياء وجزم العين، وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: نرتع وَنَلْعَبُ بالنون وجزم العين. واتفقوا في جزم الباء.

قال أبو عبيدة، قلت لأبي عمرو: كيف يقولون نلعب وهم أنبياء؟ قال: لم يكونوا يومئذٍ أنبياء. قال الفقيه أبو الليث: لم يريدوا به اللعب الذي هو منهيّ عنه، وإنما أرادوا به المطايبة في خروجهم، وفيه دليل: أن القوم إذا خرجوا من المصر، فلا بأس بالمطايبة والمزاح في غير مأثم. ويقال: نرتع ونلعب يعني: نجيء ونذهب، حتى نتشجع ونترحّل. ويقال: حتى نجمع النفع والسرور. وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ لا يصيبه أذًى ولا مكروه، وإنا مشفقون عليه قالَ لهم يعقوب: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ يعني: إنَّ ذهابكم به ليحزنني. قرأ نافع:

لَيَحْزُنُنِي بضم الياء وكسر الزاي، وقرأ الباقون بنصب الياء، وضم الزاي. ومعناهما واحد.

ثم قال: وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ يعني: أخاف أن تضيعوه فيأكله الذئب، وَأَنْتُمْ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>