للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غافِلُونَ

يعني: مشغولين بأمركم. قرأ أبو عمرو والكسائي ونافع في رواية ورش: الذِّئْبُ بغير همز. وقرأ الباقون بالهمز، وهما لغتان. وروي عن بعض الصحابة، أنه قال: لا ينبغي أن يلقن الخصم حجّته، لأن إخوة يوسف كانوا لا يعلمون أن الذئب يأكل الناس، إلى أن قال لهم يعقوب ذلك، وإنما قال ذلك يعقوب لأنه رأى في المنام أن ذئباً كان يعدو على يوسف فأنجاه بنفسه.

قالُوا يعني: إخوة يوسف لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ يعني: جماعة عشرة إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ يعني: لعاجزين. فلما قالوا ذلك رضي بخروجه معهم، فبعثه معهم، وأوصاهم عند خروجه أن يحسنوا إليه، ويتعاهدوا أمره، ويردوه إذا طلب الرجوع. فقبلوا ذلك منه.

ويقال: إنه أبى أن يرسله معهم، حتى أتوا يوسف فقالوا له: اطلب من أبيك ليبعثك معنا، وطلب يوسف ذلك من أبيه، فبعثه معهم.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٥ الى ١٨]

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ (١٨)

قال: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ يعني: فلما برزوا به إلى البَريَّة وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يقول: واتفقوا أن يلقوه في أسفل الجب، ثم أظهروا له العداوة، فجعل أحدهم يضربه فيستغيث بالآخر، فيضربه الآخر، فجعل لا يرى منهم رحيماً، فضربوه حتى كادوا أن يقتلوه.

فقال يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه؟ قوله: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ أي: فانطلقوا به إلى الجب، وهي بئر على رأس فرسخين من كنعان، ويقال:

أربع فراسخ، فجعلوا يدلونه في البئر، فيتعلق بشفة البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه. فقال: يا إخوتاه، ردوا عليّ قميصي أتوارى في الجب، فقالوا له: ادع الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر يؤنسوك. فدلوه في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه، وأرادوا أن يموت، وكان في البئر ماء فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرة في البئر، وقام عليها وجعل يبكي. فجاءه جبريل يؤنسه ويطعمه.

قال الله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا أي: لتخبرهم بصنيعهم وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعني: تخبرهم بأمورهم، أو بصنيعهم هذا بمصر وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعني: لا يعرفونك بمصر. ويقال: معناه وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أن الله تعالى أوحى إليه، وهم لا يعرفونه. ويقال: لما أرادوا أن يلقوه في البئر، تعلق بإخوته، فقال له

<<  <  ج: ص:  >  >>