للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستبق ليخرج من الباب، وأما زليخا فاستبقت لتغلق الباب، فأدركته قبل أن يخرج من الباب، فتعلقت به قبل أن يخرج من الباب. وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ يعني: مزقت وخرّقت قميصه من خلفه. وَأَلْفَيا سَيِّدَها يعني: صادفا ووجدا سيدها لَدَى الْبابِ يعني: زوجها عند الباب.

قالَتْ مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً يعني: قالت لزوجها: مَا جَزاءُ، يعني: ما عقاب مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً يعني: قصد بها الزنى إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ يعني: يحبس في السجن. أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني: يضرب ضرباً وجيعاً، وذلك أن الزوج قال لهما ما شأنكما؟ قالت له زليخا:

كنت نائمة في الفراش عريانة، فجاء هذا الغلام العبراني وكشف عن ثيابي، وراودني عن نفسي، فدفعته عن نفسي، فانشق قميصه. قالَ يوسف: بل هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي يعني: دعتني إلى نفسها وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قال مجاهد: قميصه شاهد أنه قَدْ قُدَّ من دبر، فظهر أن الذنب كان لها بتلك العلامة. وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: «كان صبي في المهد لم يتكلم بعد فتكلم، وقال إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ الآية. وقال قتادة: كان رجلا حكيم من أهلها. ويقال: كان رجل من خواصِّ الملك. وروي عن عكرمة أنه قيل له: إنه صبي قال: لا، ولكنه رجل حكيم. وقال الحسن: ولكن كان رجلاً له رأي، فقال برأيه. وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: «كان زوجها على الباب مع ابن عم لها يقال له تمليخا، وكان رجلاً حكيماً، فقال: قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب، ولا ندري أيكما قدام صاحبه؟ فقال ابن عمها: إن كان قد شقّ القميص من قدامه فأنت صادقة فيما قلت، وإن كان مشقوقاً من خلفه فهو صادق، فنظروا إلى قميصه، فإذا هو مشقوق من خلفه، فذلك قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ يعني: زليخا وَهُوَ يعني: يوسف مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ، يعني: زليخا وَهُوَ يعني: يوسف مِنَ الصَّادِقِينَ وذلك أن الرجل لا يأتيها إلا مقبلاً. فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ يعني: مقدوداً من دبر قالَ ابن عمها إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ يعني: من صنيعكن، ويقال:

قال الزوج: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يعني: صنيعكن عظيم يخلص إلى البريء والسقيم والصالح والطالح. وفي هذه الآية دليل: أن القضاء بشهادة الحال جائز، وقال بعض الحكماء: سمى الله كيد الشيطان ضعيفاً، وسمى كيد النساء عظيماً، لأن كيد الشيطان بالوسوسة والخيال، وكيد النساء بالمواجهة والعيان.

ثم أقبل على يوسف فقال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا يعني: يا يوسف أعرض عن هذا القول، ولا تذكره، واكتم هذا الحديث. ثم أقبل عليها فقال: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ يعني: توبي وارجعي عن ذنبك، ويقال ابن عمها هو الذي قال لها: واستغفري لذنبك، واعتذري إلى زوجك من ذنبك. إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ يعني: من المذنبين. وفشا ذلك الخبر في مصر وتحدثت النساء فيما بينهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>