للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: لاَ جَرَمَ أي: حقاً أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا قال ابن عباس: «نزلت في عمار بن ياسر وأبويه وبلال، وصهيب، وخباب بن الأرت حيث عذبهم المشركون، ثم هاجروا إلى المدينة، فأخبروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزل» ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا يقول: عذبهم أهل مكة ثُمَّ جاهَدُوا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وَصَبَرُوا على البلاء، وَصَبَرُوا على دينهم، وَصَبَرُوا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على طاعة الله تعالى إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي: من بعد الفتن، ويقال: من بعد الهجرة لَغَفُورٌ لذنوبهم رَحِيمٌ. ويقال: نزلت الآية في عياش بن أبي ربيعة، وقد ذكرناه في سورة النساء. قرأ ابن عامر مَا فُتِنُوا بفتح الفاء والتاء، أي: أصابتهم الفتنة. وقرأ الباقون فُتِنُوا على معنى فعل ما لم يسم فاعله.

[[سورة النحل (١٦) : آية ١١١]]

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (١١١)

قوله عز وجل: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ، أي: تحضر. تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها يعني: كل إنسان يخاصم عن نفسه، ويذبُّ عنها، ويقول: نفسي نفسي، وذلك حين زفرت جهنم زفرة، فلا يبقى ملك مقرَّب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه وقال: ربِّ نفسي نفسي، أي: أريد نجاة نفسي. وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ أي: توفّى كل نفس برة أو فاجرة جزاء ما عملت في دار الدنيا من خير أو شر وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ أي: لا ينقصون من حسناتهم، ولا يُزادون على سيئاتهم.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٢ الى ١١٤]

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤)

قوله عز وجل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا يقول: وصف الله شبهاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يعني: مكة من العدو مُطْمَئِنَّةً من العدو أي: ساكنة مقيما أهلها بمكة يَأْتِيها رِزْقُها أي:

يحمل إليها طعامها ورزق أهلها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي: موسعاً من كل أرض، يحمل إليها الثمار وغيرها فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ أي: طغت وبطرت. ويقال: كفرت بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ أي: عاقبهم الله تعالى بالجوع سبع سنين. ومعنى اللباس هنا: سوء الحال، واصفرار الوجوه. وَالْخَوْفِ يعني: خوف العدو، وخوف سرايا النبي صلّى الله عليه وسلّم، بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم فقال: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>