للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا يقول: مالوا عن الإسلام، وهم اليهود حَرَّمْنا مَا قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ أي: في القرآن من قبل هذه السورة في سورة الأنعام وَما ظَلَمْناهُمْ بتحريم ما حرّمنا عليهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بكفرهم، فحرَّمنا عليهم الأشياء عقوبة لهم ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ أي: عملوا المعصية بجهالة. وروي عن ابن عباس أنه قال: «كل سوء يعمله العبد فهو فيه جاهل، وإن كان يعلم أن ركوبه سيئة» . ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا أي: العمل إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي: من بعد السيئة، ويقال: من بعد التوبة لَغَفُورٌ لذنوبهم رَحِيمٌ بهم.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٢٠ الى ١٢٣]

إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)

قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ أي: إماماً يقتدى به قانِتاً أي: مطيعاً لربه.

وروى عامر عن مسروق أنه قال: ذكر عند عبد الله بن مسعود معاذ بن جبل، فقال عبد الله بن مسعود: «كان معاذ بن جبل أمةً قانتاً» . فقال رجل: وما الأُمة؟ قال: «الذي يعلِّم الناس الخير، والقانت الذي يطيع الله ورسوله» . وقال القتبي: إنَّما سماه أُمَّةً لأنه كان سبب الاجتماع وقد يجوز أنه سماه أمةً لأنه اجتمع عنده خصال الخير. ويقال: إنّما سماه أُمَّةً لأنه آمن وحده حين لم يكن مؤمن غيره. وهذا كما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يَجيءُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يوم القيامة أمة وَحْدَهُ» ، وقد كان أسلم قبل خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين لَم يكن بمكة مؤمن غيره، وتابعه ورقة بن نوفل، وعاش ورقة بن نوفل إلى وقت خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى أنزل عليه الوحي.

ثم قال: حَنِيفاً مُسْلِماً أي: مستقيماً مائلاً عن الأديان كلها وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي: مع المشركين على دينهم، وأصله: ولم يكن، فحذفت النون لكثرة استعمال هذا الحرف.

شاكِراً لِأَنْعُمِهِ يقول: بما أنعم الله عليه اجْتَباهُ أي: اصطفاه واختاره للنبوة، وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي: إلى دين قائم وهو الإسلام وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يقول: أكرمناه بالثناء الحسن. ويقال: بالنبوة. ويقال: بالولد الطيب وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ يعني: مع الأنبياء في الجنة.

قوله: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي: بعده هذه الكرامة التي أعطيناها إبراهيم، أمرناك أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ أي: استقم على دين إبراهيم حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ على دينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>