للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي تواضعاً ومذلة. قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ قال الكلبي: كان ذكر الرحمن في القرآن قليلا في بدئ ما نزل من القرآن، وقد كان أسلم ناس من اليهود منهم عبد الله بن سلام وأصحابه، وكان ذكره في التوراة كثيراً، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فنزل: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ. قرأ حمزة والكسائي: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ بكسر اللام والواو، وقرأ أبو عمرو بكسر اللام وضم الواو وقرأ الباقون بالضم، ومعناهما واحد. أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يعني: بأي الاسمين تدعون، فهو حسن فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، أي له الصفات العلى.

قوله عز وجل: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان بمكة، وكان يصلي بأصحابه، فإذا رفع صوته، أذاه المشركون، وإذا خفض لا يسمع صوته الذين خلفه، فأنزل الله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ، أي بقراءتك فيؤذيك المشركون وَلا تُخافِتْ بِها في جميع الصلوات، يعني: لا تسرّ قراءتك فلا يسمع أصحابك قراءتك. وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي اجهر في بعض الصلوات، وخافت في البعض.

ثم قال: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً قال الكلبي: وذلك أنه لما نزل: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ، قالت كفار قريش: كان محمد يدعو إلهاً واحداً، وهو اليوم يدعو إلهين، ما نعرف الرحمن إلا مسليمة الكذاب. فنزل: وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ، يعني:

ذكر الرحمن، وأمره بأن يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، أي لم يتخذ ولداً فيرث ملكه، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ فيعارضه في عظمته. وقال أبو العالية: معناه، وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لم يجعلني ممن يتخذ له ولداً، ولم يجعلني ممن يقول له شريك فى الملك. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ، أي من اليهود والنصارى، وهم أذل خليقة الله تعالى، يؤدون الجزية. وقال مقاتل: معناه لم يذل فيحتاج إلى ولي يعينه، أي لم يكن له ولي ينتصر به من الذل.

وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً، أي عظمه تعظيماً، ولا تقل له شريك. وروى إبراهيم بن الحكم، عن أبيه أنه قال: بلغني أن رجلا أتى إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، إني رجل كثير الدين، كثير الهم. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقْرَأْ آخِرَ سُورَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ حَتَّى تَخْتِمَهِا، ثُمَّ قُلْ: تَوَكَّلْتُ على الحي الذي لا يموت ثلاث مرّات» .

<<  <  ج: ص:  >  >>