للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، أي بحر الملح، وهو بحر فارس وبحر الروم والبحر العذب وقد قيل: معناه آتي الموضع الذي يجتمع فيه بين العالمين يعني: موسى والخضر، وهما بحران في العلم. والتفسير الأول أصح، لأنه ذكر بعد هذا حديث البحر. أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً، أي زمانا ودهرا. وقال الكلبي: الحقب الواحد ثمانون سنة. فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما، أي موسى ويوشع بن نون مجمع البحرين، جلسا على شاطئ البحر فأصابا من طعامهما ونام موسى، وجعل يوشع يتوضأ من عين على شاطئ البحر، فانتضح من ذلك الماء على الحوت، الملح فحيي فعاش الحوت، وكانت تلك العين عين الحياة لا تصيب شيئا إلا عاش، فوثب الحوت في الماء، فجعل الحوت يضرب بذنبه في الماء، فلا يضرب في ذنبه في الماء إلا يبس. فأراد يوشع أن يخبر موسى بذلك، فلما استيقظ موسى نسي يوشع أن يخبر موسى، فذلك قوله: نَسِيا حُوتَهُما يعني: أن يوشع نسي أن يخبر موسى عن خبر الحوت.

فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً قال الفراء: أي أخذ طريقه يبسا، وقال القتبي: اتخذ طريقه في البحر مذهبا ومسلكا، فذهبا عن ذلك الموضع في غدوتهما، حتى أصابهما التعب ولم ينصب موسى في سفره حتى كان يومئذ، فنصب فقال لفتاه يوشع.

قوله: فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ يوشع: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً، أي مشقة وتعبا. قالَ يوشع لموسى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ، أي حين نزلنا عند الصخرة، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ يقول: نسيت أن أذكر لك أمر الحوت. وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ لك وأمره. وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ، أي طريقه عَجَباً، قال بعضهم:

عَجَباً هو من كلام موسى، وقال بعضهم: من كلام يوشع قال: عَجَباً وذلك أن يوشع لما أخبره، فقال موسى عجبا فكأنه قال: أعجب عجبا. وقال بعضهم: هو كلام يوشع قال اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً أي يبسا وذلك حين يبس له الماء وأثره في الماء.

ف قالَ موسى: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ، أي نطلب من حاجتنا. فَارْتَدَّا، أي رجعا عَلى آثارِهِما قَصَصاً، يقتصان أثر طريقهما الذي جاء فيه. وإنما سمي قاصا، لأنه يقص أثر الأمم، ومعناه: أنهما رجعا في الطريق الذي سلكاه، فلما انتهيا إلى الصخرة حيث قام الحوت، أراه يوشع مكان الحوت وأثره في الماء، فعجب موسى من أثره، فأبصر رجلا عند الصخرة قائما يصلي وعليه مدرعة صوف وكساء صوف. فلما فرغ من صلاته، قال موسى: السلام عليك.

فقال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل. قال: ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل؟ قال: أخبرني الذي أخبرك بمكاني، فذلك قوله: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا، أي أعطيناه النبوة، وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً أي علم بعض الكوائن. روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قصة الخضر، في بعض الأخبار فقال: «كان ابن ملك من الملوك، فأراد أبوه أن يستخلفه من بعده، فلم يقبل وهرب منه ولحق بجزائر البحر، فطلبه أبوه فلم يقدر عليه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>