للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ

دعاءك وَلا يُبْصِرُ

عبادتك وَلا يُغْنِي عَنْكَ

من عذاب الله عز وجل شَيْئاً

قرأ ابن عامر: يَا أَبَتِ بالنصب، والباقون بالكسر، وكذلك ما بعده. والعرب تقول في النداء: يا أبت ولا تقول يا أبتي.

ثم قال: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ من الله عز وجل من البيان، مَا لَمْ يَأْتِكَ أنه من عبد غير الله عز وجل، عذبه الله في الآخرة بالنار. فَاتَّبِعْنِي، يعني: أطعني فيما أدعوك، ويقال: اتبع دين الله أَهْدِكَ، يعني: أرشدك صِراطاً سَوِيًّا، يعني: طريقاً عدلاً قائماً ترضاه.

ثم قال: يا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطانَ، يعني: لا تطع الشيطان، فمن أطاع شيئاً فقد عبده.

إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا، يعني: عاصياً.

ثم قال: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ، يعني: أعلم أن يمسك عَذابٌ يعني: إن أقمت على كفرك يصيبك عذاب. مِنَ الرَّحْمنِ، فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا يعني: قريناً في النار. قالَ له أبوه: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي، يعني: أتارك أنت عبادة آلهتي؟ يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ، يقول: إن لم تنته عن مقالتك ولم ترجع عنها، لأسبنك وأشتمنك.

وكل شيء في القرآن من الرجم فهو القتل غير هاهنا، فإن هاهنا أراد به السبُّ والشتم.

وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا، يعني: تباعد عني حيناً طويلاً ولا تكلمني وقال السدي: مَلِيًّا تعني أبداً، وقال قتادة: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا يعني: تباعد عني سالماً، ويقال: لا تُكلِّمني دهراً طويلاً.

قالَ إبراهيم: سَلامٌ عَلَيْكَ، يعني: أكرمك الله بالهدى، سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي، يعني: سأدعو لك ربي. إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا، يعني: باراً عوّدني الإجابة إذا دعوته، ويقال:

تحفَّيتُ بالرجل إذا بالغتُ في إكرامه، وهذا قول القتبي، ويقال: حَفِيًّا يعني: عالماً يستجيب لي إذا دعوته، وكان يستغفر له ما دام أبوه حياً، وكان يرجو أن يهديه الله عز وجل، فلما مات كافراً، ترك الاستغفار له.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]

وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)

قوله عز وجل: وَأَعْتَزِلُكُمْ، يعني: وأترككم وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يعني: وأترك عبادة ما تعبدون من دون الله عز وجل، وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا يعني: لا يخيبني إذا دعوته، ثم هاجر إلى بيت المقدس. فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، يعني: أكرمناه بالولد وهو إسحاق وولد الولد وهو يعقوب عليهما السلام. وقال بعض الحكماء: من هاجر لطلب رضاء الله عز وجل، أكرمه الله عَزَّ وَجَلَّ في

<<  <  ج: ص:  >  >>