للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في دين الله بمبالغتهم بالعناد والتمرد والإصرار علي الكفر «فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ» من المؤمنين الذين ركبوا «فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ» جمع خليفة، أي أبقيناهم يخلفون الهالكين غرقا فيسكنون الأرض ويعمرونها بدلهم «وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» لإصرارهم على الكفر وأهلكناهم «فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ٧٣» فإنها عاقبة مشئومة، وقد مرت القصة في الآية ٥٨ من الأعراف في ج ١، ولها صلة في الآية ٢٥ من سورة هود الآتية، وفي هذه الجملة إعلام بتهويل ما جرى عليهم وتحذير لمن يكذب الرسل وتسلية لحضرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بما يلاقيه من قومه، وتخويف لقومه بأنهم إذا لم يؤمنوا تكون عاقبتهم الهلاك مثل قوم نوح، إذ جرت عادة الله تعالى أن يوقع الهلاك بعد الإنذار، ومن أنذر فقد أعذر، والنظر قد يكون بالبصر وبالبصيرة، وعند الخاصة يكون بالبصيرة أكثر منه بالبصر، قال تعالى «ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ» أي نوح عليه السلام «رُسُلًا» كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام، وهؤلاء ما بين نوح وموسى عليهم السلام «إِلى قَوْمِهِمْ» كعاد وثمود وغيرهم ممن قصّ الله تعالى علينا ومن لم يقصّ «فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» الدالة على نبوتهم المثبتة لرسالتهم والحجج المبينة لصدقهم والبراهين الموجبة للإيمان بهم «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا» بما أظهروه لهم من المعجزات الباهرات، ولم يتبعوا الشرع الذي جاءوهم به «بِما» بالذي أمرهم به رسلهم بلزوم اتباعه من أصول الدين وفروعه الذي «كَذَّبُوا بِهِ» أمثالهم «مِنْ قَبْلُ» مجيء الرسل إليهم بل أصروا على كفرهم وعنادهم، وجروا على نهج قوم نوح في اتخاذ التكذيب ذريعة، ولم يرتدعوا بما وقع على من قبلهم من العذاب، وكأنه لم يكن، إذ لم يغيروا حالتهم بعد بعثة الرسل، كأنه لم يبعث إليهم أحد وينذرهم عاقبة أمرهم، ويخوفهم سوء أعمالهم، ويزجرهم عن المنكرات، ويأمرهم بالمعروف «كَذلِكَ» مثل ما طبعنا على الباغين الأولين «نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ٧٤» المتجاوزين حدودنا، الخارجين عن طاعتنا، الباغين على عبادنا ورسلنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>