للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومساكنها، ومحل وكرها الذي تأوي إليه في الأرض والبحار والجبال والهواء وغيرها، «وَمُسْتَوْدَعَها» قبل خروجها إلى عالم الظهور وقبل استقرارها في الأصلاب والأرحام والبيوض وغيرها، وبعد انعدامها من المحلات التي تدفن فيها أو تضمحل بها، وما قيل إن تفسير المستودع بهذا لا يلائم

تكفل الله بأرزاقها إذ لا مجال له ولا حاجة للرزق فيه مردود، لأن المراد بالتكفل مدة بقائها في برزخ المادة واحتياجها للرزق، فتنتهي مدته بالأجل المقدر لكل دابة، فكأنه قيل إن الله تعالى متكفل برزق كل دابة، ويعلم مكانها أول ما تحتاج إلى الرزق ومكانها آخر ما تحتاج إليه. ولهذا البحث صلة في الآية ٩٨ من سورة الأنعام الآتية، وقد ألمعنا إليه في الآية ٩ من سورة مريم المارة في ج ١ «كُلٌّ» من الدواب دوّن اسمه ورزقه ومستقره ومستودعه، وما يطرأ عليه في مدة أجله «فِي كِتابٍ مُبِينٍ ٦» ظاهر مثبت فيه كل شيء قبل خلقه وبعد خلقه، وموضح فيه آجال الأشياء ومصيرها بعد موتها وانعدامها بأي صورة كانت وتكون، والدبّ مأخوذ من الدبيب وهو الشيء الخفيف وعليه قوله:

زعمتني شيخا ولست بشيخ ... إنما الشيخ من يدب دبيبا

ويفهم من هذه الآية أن الله تعالى يسوق رزق كل دابة إليها دون أن تسعى إليه بمقتضى تكفله لها بدليل قوله تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) الآية ٢٢ من الذاريات الآتية، وقوله صلى الله عليه وسلم: لو توكلتم على الله لحق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا. وما جاء في الخبر: لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. وتؤذن أيضا في حمل العباد على التوكل، إلا أنه لا يمنع من مباشرة الأسباب، مع العلم بأن الله تعالى هو المسبب لها وجاء في الخبر: (اعقل وتوكل) وقال تعالى (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الآية ١٦ من سورة الملك الآتية، ففيهما إيذان بتعاطي الأسباب مع التوكل على الله، إلا أنه لا ينبغي أن يعتقد عدم حصول الرزق بدون مباشرة سبب، فإنه تعالى يرزق كثيرا من خلقه دون مباشرة الأسباب أصلا، فقد جاء في بعض الأخبار أن موسى عليه السلام عند نزول الوحي تعلق قلبه بأحوال أهله

<<  <  ج: ص:  >  >>