للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإذاقة عن الإعطاء والإيصال «ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ» لعدم قيامه بشكرها، قال عليه الصلاة والسلام اشكروا النعم لا تكفروها، فإنها إن زالت فهيهات أن تعود. فالعاقل يقدر النعمة حال تلبسه بها، والجاهل لا يقدرها حتى تسلب منه بالمرض والضّيق والخوف فإذ ذاك يندم ولات حين مندم، وعبّر عن السلب بالنزع إشعارا بشدة تعلقه بها وإيذانا بزيادة حرصه عليها «إِنَّهُ لَيَؤُسٌ» من عودها إليه قنوط الرجاء من فضل الله، لعدم صبره وتوكله عليه وثقته به، ولو كان متوكلا وثقا بالله لقيدها بالشكر ولكنه «كَفُورٌ ٩» لما أسلفه الله من النعم شديد الجحود لها كأن لم ينعم عليه بشيء، لأن الضيق بعد سعة الرزق، والمرض بعد الصحة، والخوف بعد الأمن صعب جدا، لا يقدر من يصبر عليه كل أحد، أجارنا الله من ذلك. قال تعالى «وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ» وأرهقته «لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي» تباعد عني كل ما يسوءني من فقر ومرض وخوف وذل، فيأمن مكر الله إذ يغيب عن باله زوالها إذا لم يؤد شكرها ويصرفها مصارفها ولم يضفها إلى الله تعالى بل إلى الصدقة والعادة والكد، ولهذا فقد ذمه الله بقوله عز قوله «إِنَّهُ لَفَرِحٌ» بما ناله من ذلك الخير «فَخُورٌ ١٠» به على غيره، ولم يخطر بباله أن ذلك كله من ربه. واعلم أن للفرح لذة في القلب تحصل بنيل المراد، واليئوس والفخور والكفور، أحمد مبالغة تدل على الكثرة والفخر والتطاول على الناس بما عنده من المعاقب والمال والنشب والرياش والرياسة، واللام في لئن في الآيات الأربع المارة موطئة للقسم، وجوابه سادس جواب الشرط كما في قوله:

لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ... وأمكنني منها إذا لا أقيلها

برفع أقيلها لأن إذن هنا حرف جواب وجزاء فقط، إذ فصلت لا النافية بينها وبين الفعل، وشرط النصب بها عدم الفصل والتصدير وكون الفعل بعدها مستقبلا ولم يغتفر بالفصل بينها وبين الفعل إلا بالقسم كقوله:

إذن والله نرميهم بحرب ... يشيب الطفل من قبل المشيب

لأن الفصل بغير القسم يمنع تسلط الناصب، وعليه قول أبي محجن الثقفي رحمه الله:

<<  <  ج: ص:  >  >>