للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بما ذكروه من الأمور الدنيوية وشرف الصنعة، وما هذا الجواب منهم إلا لفرط جهلهم وتوغلهم في الدنيا وملاذها وانهماكهم في شهواتهم، ولذلك ختموا كلامهم بقولهم «بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ ٢٧» في هذه الدعوى أنت وأتباعك، وإن تصديقهم لك عبارة عن مواطئة تمهيد للحصول على الرياسة علينا «قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» فيما بشرتكم به وأنذرتكم منه واضحة شاهدة على صدقي «وَآتانِي» الذي أرسلني إليكم «رَحْمَةً» هديا ومعرفة ونبوة ورسالة «مِنْ عِنْدِهِ» وهو إله الكل «فَعُمِّيَتْ» ألبست وأخفيت «عَلَيْكُمْ» فلم تهدكم ولم تهتدوا إليها، لأن الحجة كما تكون بصيرة ومبصرة تكون عماء وعمها، وإن الأعمى والأعمه كما أنه لا يهتدي لا يقدر أن يهدي غيره، لذلك لا نقدر على إلزامكم بها «أَنُلْزِمُكُمُوها» قسرا وجبرا «وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ٢٨» نافرون عنها، كلا لا نستطيع على ذلك إذ لا إكراه في قبول الدين بل يجب الإقدام عليه والإقبال إليه طوعا برغبته ومحبته «وَيا قَوْمِ» تدبروا ما أقوله لكم وانظروا عاقبته وتلقوه بحسن نية، واعلموا أني «لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا» لتظنوا بي طمعا ولا رياسة لتشتبهوا فيّ من أجلها أو تشكّوا أن إنذاري لكم لأمور دنيوية كلا «إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» الذي أرسلني، وأن ما أبذله إليكم من النصح وأسديه لكم من الإرشاد لمجرد هدايتكم لطريق الله وحمايتكم من عذابه المترتب على إصراركم على الكفر «وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا» بي وصدقوني من أجل قولكم أنهم أراذل خسيسو الحرفة، فقراء وضيعون بالحسب والنسب، فهذا كله لا يمنعي من قبول إيمانهم، ولا يجوز لي أن أتباعد عنهم «إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ» بعد الموت، فيشكونني إليه، فيعاقبني على طردهم، لأن وظيفتي قبول إيمان من يؤمن مهما كان، وإن الإيمان سيجعل لهم شرفا وحسبا أعلى عند الله مما أنتم عليه «وَلكِنِّي أَراكُمْ» يا قوم بأقوالكم هذه وتطاولكم عليّ «قَوْماً تَجْهَلُونَ ٢٩» عظمة الله الذي عنده أكرم الناس أتقاهم لمحارمه وأخوفهم من عذابه، لا الأكثرون أموالا والأكبرون جاها والأحسنون حرفة، ولا العالون نسبا وحسبا، فالمؤمن الحقير بأعينكم خير عند الله من العظيم الكافر، فارتكزوا

<<  <  ج: ص:  >  >>