للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الهلاك بصورة عادلة لا تفضيل فيها للخطير على الحقير، ولا الغني على الفقير، لذلك طلبها وزكى نفسه أمام الملك بما تقدم لتطمئن نفسه ويستريح ضميره، إذ شغل باله بمن يوليه عنه هذه المهمة ويكفيه مؤنتها ويريحه من هذا الأمر الذي ذكره له على ما هو عليه من الخطورة، ولا يقال أيضا كيف زكى نفسه والله تعالى يقول (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) ؟ الآية ٣٠ من سورة والنجم المارة في ج ١ لأن تزكية النفس إذا قصد بها إيصال الخير والنفع إلى الغير مطلوبة ومحمودة، وانما تكره لا تحرم التزكية للنفس إذا قصد بها التطاول على الناس والتفاخر بما عنده عليهم والتوصل إلى ما لا يحل، وهذه كلها بعيدة عن ساحته عليه السلام وغاية تصديه لذلك إنما هي إعلام الملك بما تقدم وايقافه على أنه ليس مختصا بأمور الدين فقط كما ظن الملك به اولا من تعبير الرؤيا والنصح لأهل السجن، وان من كان هذا شأنه بعيدا عن أمور الدنيا لا يعرف ما يلزم لها أو يتعلق بها، بل له علم كامل بها وما يتفرع عنها أيضا، ومن هنا قال أهل هذا العصر بفصل الدين عن السياسة ولم يعلموا أن الواقف على أصول الدين أعلم بالسياسة من غيره، وهذه المصلحة من أمور الدنيا بحسب الظاهر بقطع النظر عما يلزم لها من العدل وما فيها من الثواب العظيم عند الله، فإنه قد علم بتعليم الله تعالى إياه لو تولاها غيره لجار وارتشى وفضل أناسا على آخرين، فأدى إلى هلاك الأمة أو أكثرها فاجابه لذلك، وإنما لم يذكر الله تعالى اجابة الملك إلى توليه يوسف إيذانا بأن ذلك أمر لا غنى له عنه، لأنه لم يقل له يوسف ما قال إلا حينما رآه متحيرا بمن يوليه ذلك الأمر الخطير، قالوا وكان بين طلب توليه وإسنادها اليه سنة واحدة، روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال قال رسول صلّى الله عليه وسلم يرحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لا ستعمله من ساعته، ولكنه أخّر ذلك سنة وسبب هذا التأخير أن الملك لا يولي أحدا قبل أن يختبره بما يوليه عليه وان السنة كافية للتحقيق عن حال الموظف خارجا وداخلا.

[مطلب تمرين الموظف وزواج يوسف بزليخا ودخول السنين المجدبة واجتماع يوسف بإخوته:]

ومن هنا اتخذت الملوك قاعدة التمرين لمدة سنة على الأقل لمن يريدون توليته حتى إذا ظهر لهم خلالها كفاءته عينوه وإلا صرفوه ألم تر أن حضرة الرسول قال

<<  <  ج: ص:  >  >>