للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمثال هؤلاء وغيرهم «فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ» سكراته وشدائده حين نزع أرواحهم «وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ» إليهم يقولون لهم توبيخا وتقريعا هلموا «أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ» من أجسادكم قسرا، وهذا القول عبارة عن التشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال، وإلا فلا حاجة لهذا القول ولو كان بأيديهم منه شيء ما فعلوه، لأن روح الكافر ثمينة عنده فلو قدر على تأخيرها أو عدم إخراجها من جسده لحظة واحدة بما يملك في الدنيا لفعل، ثم قال تعالى «الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ» المهانة والمذلة وقت الإماتة «بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ» من أمثال الأقوال المتقدمة من الإنكار والتكذيب والجحود والإشراك «وَ» بما «كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ٩٣» عن قبولها وتأنفون من سماعها بدلا من أن تصدقوها وتؤمنوا بها، وجواب لو محذوف تقديره لرأيت أمرا فظيعا هالك مرآه، انتهت الآية المدنية الرابعة. قال تعالى مخاطبا جميع خلقه في موقف الحشر يذكرهم أن حالتهم هذه أول يوم ورودهم الآخرة تشبه حالتهم أول يوم قدومهم إلى الدنيا بقوله عز قوله «وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى» وحدانا لا مال معكم ولا ولد ولا لباس ولا نشب «كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» في الدنيا إذ جئتم إليها كذلك، لأن هذا الخطاب بعد البعث وهو خلق ثان «وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ» أعطيناكم في الدنيا من الأموال والأولاد والخدم والسلطة والجاه وملكناكم العقارات ومكناكم من استغلال ما في الدنيا «وَراءَ ظُهُورِكُمْ» أبقيتم كل ذلك في الدنيا الكائنة الآن وراءكم، لأن ما الدنيا لا يكون للآخرة «وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ» من الملائكة والإنس والكواكب والأصنام «الَّذِينَ زَعَمْتُمْ» وأنتم في الدنيا «أَنَّهُمْ فِيكُمْ» في استبعادكم «شُرَكاءُ» معنا وكنا أخبرناكم على لسان رسلنا أنهم ليسوا بشيء وأنهم من خلقنا ومن صنع أيديكم الذي هو أيضا من خلقنا «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ» بالنصب أي تقطع الوصل بينكم على إضمار الفاعل،

وقرىء بضم النون على أنه فاعل بمعنى وصلكم، لأن البين من أسماء الأضداد فيكون بمعنى الهجر وبمعنى الوصل قال:

فو الله لولا البين لم يكن هوى ... ولولا الهوى ما حنّ للبين آلف

<<  <  ج: ص:  >  >>