للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعلمتها من الغير بطريق المباحثة والمداومة حتى حفظتها، وجئتنا تزعم أنه من عند الله، وأنا أعلم أنك لم تدرس شيئا ولم تتعلمه، فدع قومك وخاصتك يقولوا لك ذلك ويصموك بالكذب وهم الكاذبون، وان ما تتلوه عليهم من وحينا وتعليمنا إياك واللام هنا لام الأمر وقيل لام كي بالنظر إلى المعطوف عليه بعد، وتهمتهم هذه لحضرة الرسول هو أنه كان عبدان من سبي الروم يسار وخيبر في مكة وكانا يأتيان محمدا لأنهما من أهل الكتاب ليسمعا منه وكانا يقرآن الكتب القديمة فظن كفار مكة أن محمدا يقرأ عليهما أو يسمع منهما وأنه يتلو ما يسمعه ويقرأه على قومه، فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم وردا عليهم وأين هذين من كلام الله وهما لا يفقهانه وقد تحدى الله جميع البشر على الإتيان بمثله فلم تقدر ولن تقدر. هذا، وما قيل إن المراد أنك علمت ما فقرأه من اليهود لا أصل له، لأن الآية مكية ولا يحث مع اليهود في مكة، وما قيل إن المعنى لئلا يقولوا درست لا صحة له لأنه غير مناسب للفظ ولا وجيه في المعنى ولأن حمل الإثبات على النفي تحريف وتغيير لكلام الله ولا يجوز فتح هذا الباب لما فيه من وضع المنفي مقام المثبت وبالعكس، لذلك يجب اجراء كلام الله على ما هو عليه وعدم التطاول على ما يخل بمعناه أو يزيد في مبناه بصورة قطعية «وَلِنُبَيِّنَهُ» نوضحنّ هذا القرآن المعبر عنه بالبصائر ونكشفن ما يرمي إليه «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ١٠٥» أنه كلام الله منزل عليك من لدنا لم تتلقه من أحد ما، فيا أكرم الرسل «اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» من هذا القرآن ولا تلتفت إلى تقولاتهم، وقل إنما هو من الله الذي «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ١٠٦» من قومك المتخذين آلهة من دوني واتركهم الآن إلى أن يأتيك قضائي بينك وبينهم، وفي هذه الآية تسلية لحضرة الرسول مما يلاقيه من جفاهم وتعزية لما يصمونه به وإزالة لما حصل له من الحزن بنسبة الافتراء إليه على ربه تنزه عن ذلك وتبرأ القائل «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا» به غيره وهذا نص بأن الإشراك بمشيئته تعالى وكذلك التوحيد والعصيان والإيمان راجع الآية ٩٨ من سورة يونس المارة، وذلك أن الله قد شاء إيمان من علم منه

اختيار الإيمان فهداه إليه فآمن، وشاء كفر من علم منه اختيار

<<  <  ج: ص:  >  >>