للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنهم فيها خالدون بإخبار الله تعالى إباهم بواسطة ملائكته أو أنه كان سرورا منهم بدوام النعم لا على طريق الاستفهام، وعلى هذا فإن الملائكة تقول لهم بل أنتم مخلدون فيما أنتم فيه فيقولون جميعا «إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٦٠» الذي لا فوز فوقه ولا سعادة بعده ولا أفضل ولا أجل منه ثم يقولون لبعضهم

«لِمِثْلِ هذا» الذي نحن فيه من الخير «فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ٦١» لا للشهوات الدنيوية الدنيئة الفانية قال:

إذا شئت أن تحيا حياة هنيئة ... فلا تتخذ شيئا تخاف له فقدا

لأن زوال النعم عذاب لا يقابله عذاب ولا يعدل الفرح الذي يحصل منه عند وجود النعم شيئا أبدا وهنا انتهى كلام أهل الجنة، قال تعالى «ذلِكَ» المشار إليه من قوله تعالى لهم رزق معلوم إلى هنا «خَيْرٌ نُزُلًا» أيها الناس «أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ٦٢» التي هي نزل أهل النار وهي شجرة مرة خبيثة الطعم يكره أهل النار على أكلها فيزّقمونها على مضض زيادة في تعذيبهم «إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً» كبيرة ومحنة عظيمة وبلية خطيرة «لِلظَّالِمِينَ ٦٣» المتوغلين في الظلم الحريصين على فعله، ثم وصفها الله تعالى فقال «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ٦٤» في قعرها وأسفل شيء فيها وترفع أغصانها إلى دركات النار وثمرها المعبر عنه بقولها «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ ٦٥» في البشاعة والقباحة، واعلم أنه مما لا شك فيه أن أحدا لم ير الشياطين على صورتهم التي خلقهم الله عليها لأنه خارج عن طوق البشر وكذلك الملائكة إلا أنه استقر في النفوس حسن الملائكة وقبح الشياطين فصاروا يشبهون كل حسن بالملائكة وكل قبح بالشياطين فيقولون للرجل الطيب كأنه ملك وللخبيث كأنه شيطان، قال امرؤ القيس:

أتقتلني والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال

فقد شبه سنان الرمح بأنياب الغول من حيث لم يره وقد شبه الله ثمر تلك الشجرة برءوس الشياطين لأنها في تقدير البشر قبيحة جدا، وهي كذلك في الوهم والخيال ووجه الشبه وجامعه وجود النفرة في كل والكراهية لهما «فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها» رغما عنهم لأنه من جملة العذاب المقدر لهم «فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ٦٦»

<<  <  ج: ص:  >  >>