للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطعام الموضوع أمامكم لتحل عليه بركتكم كما يزعمون فلم يردوا عليه فقال «ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ٩٢» نزلهم بخطابه منزل العاقل تهكما واستهزاء وتقليد القومة، ولما لم ير أحدا عندها لأنهم لم يعودوا من المراسم بعد «فَراغَ» ذهب ومال وأصل الروغان ميل الشخص في جانب وهو يريد غيره ليخدع من خلفه وأقبل متعليا «عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ٩٣» حتى كسرها كلها وترك الفاس عند كبيرها وخرج «فَأَقْبَلُوا» قومه من المعايدة ومحال مراسم العيد إلى زيارة الأوثان «إِلَيْهِ» المعبد الذي كان عند الآلهة المذكورة «يَزِفُّونَ ٩٤» الملك والرؤساء ويمشون خلفهم على تؤدة أخذا من زفاف العروس في موكب عظيم، وقيل جاؤوا مسرعين حيث أخبروا بما وقع على الآلهة والأول أولى وان كان اللفظ يحتمل المعنى الآخر لأن زف تأتي بمعنى أسرع أيضا، إلا أن المعنى يأباه لما يأتي في سورة الأنبياء إنهم لم يعلموا من كسرها وانهم سألوا فأخبروا بأنه فتى يقال له ابراهيم، قالوا ولمّا دخلوا على المعبد ورأوا ما هالهم أمره ولما أحضروا ابراهيم وسألوه وقالوا نحن نعبدها ونعظمها وأنت تكسرها ولماذا فعلت هذا «قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ٩٥» بأيديكم من الحجارة والأخشاب «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ٩٦» منها ومن غيرها وفي هذه الآية دليل قاطع على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وبعد الأخذ والرد معه اتفقوا أن يكون جزاؤه الأحراق بالنار كما سيأتي بيانه في الآية المذكورة آنفا من سورة الأنبياء الآتية بصورة مفصلة «قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ٩٧» النار للشديدة الالتهاب للتي بعضها فوق بعض ففعلوا وأبى الله لأن من كان حافظه لا يسلط عليه أحد ولا يقدر على مضرته أحد قال تعالى «فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ ٩٨» الأذلين الخائبين المقهورين بجعل كلمتهم السفلى وإبطال كيدهم وبقاء كلمة الله تبارك وتعالى كما كانت هي العليا بنصرته عليهم وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم وبهذا يعلم أن النار لا تأثير لها إلا بخلق التأثير فيها من الله تعالى إذ لو كان لها تأثيرا بنفسها وطبعها لحرقته ولكن المؤثر الحقيقي هو الله تعالى وقال إبراهيم لقومه بعد خروجه من النار وإياسه من إيمانهم «إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ٩٩» إلى ما فيه خلاص فأرشده الله

<<  <  ج: ص:  >  >>