للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنه الآخر وبقي فريدا، فجاء مركب آخر فركبه، فقال الملاح إن فيكم عاصيا عبدا آبقا من سيده إذ لا موجب لوقوف المركب غير هذا، فانظروا من هو، فاقترعوا لمعرفة ذلك الآبق فيما بينهم، فوقعت القرعة على يونس، فقالوا له بعد الاعتراف بأنه آبق من سيده وعنى بذلك ربه لا بد من رميك في البحر، لأن العادة المطردة عندنا كذلك، ولئن يغرق واحد خير من أن يغرق الكل، فاستسلم فأخذوه وزجوه بالماء،

وذلك قوله تعالى «فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ

١٤١» المغلوبين في القرعة «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ١٤٢» فعل فعلا يلام عليه بالنسبة لمقامه وذلك على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين لأنه لم يفعل على رأيه ما يعاقب عليه «فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ١٤٣» لنا المكثرين لذكرنا الراجعين لأمرنا «لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ» لبقي في جوف الحوت «إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ١٤٤» من قبورهم الأموات هو وقومه وغيرهم، وكان تسبيحه عليه السلام كما ذكر ربه في الآية ٨٧ من سورة الأنبياء الآتية (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) وهذا هو الذي نجاه، وكان عليه السلام يديم ذكر ربه قبل ذلك لا يفتر عنه أبدا ولهذا عده الله من المسبحين، وجاء في الحديث اذكروا الله في الرخاء يذكركم بالشدة «فَنَبَذْناهُ» أجبنا دعاءه وأخرجناه من بطن الحوت وقذفناه «بِالْعَراءِ» الأرض الخالية من النبات والشجر «وَهُوَ سَقِيمٌ ١٤٥» عليل البدن من حرارة بطن الحوت، جاء في الخبر أن الملائكة لما سمعت تسبيح يونس عليه السلام قالوا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة وقالوا غريبة لأنهم لم يسمعوا بشرا يذكر الله فيها قبل، وإنما يسمعون الحيتان والديدان وغيرها وهو يختلف عن ذكر البشر، فقال تعالى ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا ربنا ذلك العبد الصالح الذي كان يصعد عمله الصالح إليك كل يوم وليلة؟ قال هو ذاك، قال فيشفعون له، فأمر الله الحوت فقذفته بأرض نصيبين من قاعدة ربيعة وهي مجاورة لديار بكر ويليها من جهة الشرق الشمالي ديار مضر ويسمونها الآن جزيرة ابن عمر، وهذا مما يدل على أن المراد بالبحر هو دجلة التي تصب في البحر بعد اختلاطه بالفرات بالقرنة قبل البصرة، فعلى هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>