للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل نزول القرآن، كصلاة الركعتين قبل فرض الصلاة، إذ لم تخل أمة من الصلاة والزكاة والصيام، إذ تعبدهم بها كما تعبد هذه الأمة بها على اختلاف بالقدر والهيئة، فعلى ظاهر هذه الآية يكون عدم إعطاء الزكاة كفرا، ولهذا حكم أبو بكر رضي الله عنه بكفر مانعي الزكاة، وحجة من قال إنها تزكية النفس ان الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وهما حاصلان فلا يلزم الكفر وقال الفراء كانت قريش تطعم الحاج فمنعته عمن آمن بحمد أي، ونزلت «وَهُمْ» قومك يا محمد مع عدم إتيانهم بها تراهم «بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ» ٧ جاحدون وجودها مع انها حق ثابت يعترف بها أهل الكتب السماوية كلهم، ومما يدل على هذا أن المراد بالزكاة إعطاء المال، قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» التي من جملتها انفاق المال للمعوزين «لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» ٨ به عليهم لأنه بمقابل أعمالهم الصالحة وعطاء هذا الأجر فضل من الله تعالى، لأنه هو الذي أعطى المال للمتصدق وهو الذي وفقه للتصدق وجعل ثواب الزكاة غير مقطوع ولا منقوص لما فيها من الرأفة على عباد الله وعياله، هذا ولو كان المراد بالزكاة هنا تزكية النفس لكانت هذه الآية معترضة لعدم مناسبة ذكرها بل جيء بها استطرادا تعريضا بالمشركين المستغرقين بالدنيا التاركين للآخرة، وقد جعل جل شأنه منع الزكاة مقرونا بالكفر، لأنها معيار الإيمان المستكين بالقلب، ولهذا خصها

من بين أوصاف الكفرة، وقيل إن المال شقيق الروح، وهو عند من لا إيمان له أغلى منها قال بعض الأدباء البخلاء:

وقالوا شقيق الروح مالك فاحتفظ ... به فأجبت المال خير من الروح

أرى حفظه يقضي بتحسين حالتي ... وتضييعه يقضي لتسآل مقبوح

قال في الكشف: الأولى إبقاء اللفظ على ظاهره لأن صرفه عن حقيقته الشائعة من غير موجب لا يجوز، كيف ومعنى الإيتاء لا يقر قراره، نعم لو كان بدل يؤتون يأتون كما في قوله تعالى «وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى» الآية ٥٦ من سورة التوبة لجاز ذلك بالنظر للفرق بين الإيتاء والإتيان، ولم يقرأ أحد من القراء بها، لهذا لا يجوز الركون لذلك القول، ولا يخفى أن اطلاق الاسم

<<  <  ج: ص:  >  >>