للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببيان ما وقع لحبيبه محمد صلّى الله عليه وسلم مع الجن ليذكره لقومه، وقد مر أول سورة الجن ما يتعلق برؤيتهم وحضورهم لدى الرسول بصورة مفصلة فراجعها في ج ١.

مطلب تكليف الجن ودخولهم في رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم وأولي العزم من الرسل:

قال تعالى «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ» يا سيد الرسل «نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ» منك كما يستمعه الإنس لأنه صلّى الله عليه وسلم مرسل إليهم أيضا كما أوضحناه هناك «فَلَمَّا حَضَرُوهُ» أي مجلسك الذي كنت تتلوه فيه «قالُوا» بعضهم لبعض «أَنْصِتُوا» تأدبا واحتراما لسماعه وليعوا ما يأمر به وينهى عنه، فأصغوا وبقوا منصتين «فَلَمَّا قُضِيَ» فرغ من القراءة وتفاهموا مع حضرة الرسول وأجابهم لما سألوا عنه «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ» ٢٩ لهم سوء عاقبة الطغيان ومخوفيهم من هول القيامة والوقوف لدى الملك الديان لأنهم بعد أن آمنوا به صلّى الله عليه وسلم أمرهم تبليغ قومهم ما سمعوا منه وأن يؤمنوا بالله، ولما ذهبوا إليهم «قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى» يفهم من هذا أنهم كانوا يتدينون بالتوراة ولم يذكروا عيسى لأنه عليه السلام كان يعمل بالتوراة عدا ما غيرت منها شريعته بما جاء في الإنجيل المنزل عليه وهي أجل الكتب السماوية وأجمعها بعد القرآن، ويدل على عملهم بالتوراة قوله تعالى «مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ» من الكتب السماوية الإنجيل فما قبله، لأن الذي فيها كله موجود بالقرآن، ثم وصفوه بوصف أعظم بقولهم «يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» الذي يجب اتباعه من العقائد والأحكام «وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ» ٣٠ لا يضل متّبعه ولا يزيغ

«يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ» الذي أنزل عليه هذا الكتاب الجليل وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أرسله الله لإرشاد هذا العالم كله «وَآمِنُوا بِهِ» وصدقوه واعملوا بكتابه.

واعلم أن الإيمان داخل بالإجابة، وإنما خصوه بالذكر ثانيا لأنه الأصل وهو المقصود من الإجابة، فيكون من باب ذكر العام وعطف أشرف أنواعه عليه، فإذا فعلتم «يَغْفِرْ لَكُمْ» الله ربه وربنا وربكم ورب الكون أجمع «مِنْ ذُنُوبِكُمْ» التي اقترفتموها «وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» ٣١ حق عليكم بسبب كفركم بالله وتعديكم على الغير. تفيد هذه الآية الكريمة أن الجن كالإنس منهم المؤمن

<<  <  ج: ص:  >  >>