للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما لم ينجع بهم هذا ولم يعتبروا ويتعظوا التفت إلى رسوله صلّى الله عليه وسلم وخاطبه بقوله «فَذَكِّرْ» قومك يا سيد الرسل واحرص على إيمانهم ودم على ما أنت عليه «إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ» ٢١ فقط فلا يمنعك عدم قبولهم لنصحك وإصغائهم لرشدك من إدامة التذكير، لأنك يا حبيبي «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» ٢٢ لتجبرهم على الإيمان ولا بمسلط لتكرههم عليه، وإنما عليك البلاغ فقط وقد قمت به، وما قيل إن هذه الآية منسوخة بآية السيف لا وجه له، لأن غاية ما فيها التهديد والتخويف تمهيدا للذارة والبشرة وترغيبا للتصديق بما جاءهم به، وإن الله تعالى ما أنزل آية السيف وأمر رسوله بالقتال حتى غربل الناس وأوضح لرسوله المؤمن من الكافر وأظهر له من يؤمن طائعا مختارا راغبا، ومن يؤمن كرها وخوفا.

هذا، وإن الاستثناء في قوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى) عنك وأعرض إعراضا كليا «وَكَفَرَ» ٢٣ وأصر على كفره، متصل في ضمير عليهم ومحله الجر تبعا له، أي فإنك متسلط على هذا الصنف من الكفرة المدبرين عن الإيمان إدبارا كليا مثل الوليد وأبو جهل وأضرابهما، ولهذا أمر الله الرسول بالجهاد وأباح له قتل أمثال هؤلاء وسبيهم وإجلاءهم وأسرهم، وقد عاتبه على أخذ الفداء من أمثالهم، راجع الآية ٦٧ من سورة الأنفال ج ٣، وقد جعل جزاءهم الدنيوي هذا، أما العقاب الأخروي «فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ» ٢٤ في دركات جهنم ولا أكبر من عذابها، فيكون في هذه لآية إيعاد لهم في المدارين، وإشارة بأنه سيسلط عليهم وتظهر كلمته، وهذا لا ينافي حصر الولاية بذاته تعالى، لأنه الولي لا غيره وليّ، وان ذلك يكون بإذنه وأمره وإرادته، وعليه فيكون المعنى لست يا سيد الرسل على هؤلاء الكفرة الممتنعين من التصديق بك والإيمان بربك بمجبر ولا مكره إلا على من تولى وكفر بأن دام على كفر، فإنك مسلط عليه. وما قاله الزمخشري وغيره تبعا له أو من بنات فكره وأولاد ذهنه من أن الاستثناء هنا منقطع وإن المعنى لست بمسئول عنهم لكن من تولّى وكفر منهم فإن الله تعالى له الولاية عليه، فهو بعيد عن المعنى المراد والله أعلم، حتى ان عصام الدين قال فيه إشكال لأن المستثنى المنقطع هو المذكور بعد إلا غير مخرج من متعدد قبله لعدم دخوله فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>