للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ج ١ لا صحة له، وقد أوضحنا هذه في تفسير هذه الآية فراجعها يظهر لك مكّيتها، والآية المدينة في هذا الصدد هي الآية ٢٧ من سورة لقمان المارة فما بعدها كما بيناه هناك، ولذلك كانت أبلغ من هذه في المعنى لما فيها من لفظ أبلغ في العدد والكمية، وهكذا دائما تكون الآية المتأخرة في النزول أبلغ بحكم التدريج تأمل، أما هذه فمكية، وقد توهم من قال إنها مدنية لما أنه وقع السؤال عنها والبحث فيها في المدينة، وما كل ما جرى البحث فيه بالمدينة مدني، تنبه فقهك الله في أمر دينك ودنياك.

«قُلْ» يا سيد الرسل لقومك إني كما تقولون «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» لا ميزة لي عليكم بالبشرية، ولكن بما خصني الله به من النبوة والرسالة، وما أكرمني به من الوحي الذي «يُوحى إِلَيَّ» من لدنه، وهذا تعليم له عليه الصلاة والسلام لسلوك طريق التواضع في أقواله وأفعاله، ولئلا يزمو على أمته بما منحه الله به، وهذا وشبهه ما يشير إليه صلّى الله عليه وسلم بقوله: أدّبني ربي فأحسن تأدبي. «أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» هو ربي وربكم لا شريك له «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ» في الدار الآخرة، ويقر بأن المصير إليه، ويعتقد ذلك اعتقادا جازما لا مرية فيه «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» في دنياه يعضد به إيمانه لينتفع فيه بآخرته «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» ١١٠ ولا شيئا أبدا، بل يخلص له في قوله وعمله وفعله ونيته. روى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سمّع سمع الله به ومن يرائي يرائى به.

وروى مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول إن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه.

وفي رواية: وأنا منه بريء، وسبب نزول هذه الآية أن جبذ بن زهير قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه أحد سرّني، فقال عليه السلام إن الله لا يقبل ما شورك فيه. وقيل إنه قال له: لك أجران، أجر في السر وأجر في العلانية. فالرؤية الأولى محمولة على قصد الرياء والسمعة، والثانية على قصد الاقتداء به، فالمقام الأول مقام المبتدئين، والثاني مقام الكاملين.

روى مسلم عن أبي الدرداء قال: قال صلّى الله عليه وسلم من حفظ عشر آيات من أول الكهف

<<  <  ج: ص:  >  >>