للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم لنا تبع فغد لليهود وبعد غد للنصارى. ومن قال إن الاختلاف وقع بينهم أوّل فقال جعل بمعنى وبال، أو قال إن في الكلام حذفا وهو كلمة وبال، أي إنما وبال السبت، أو إنما جعل وبال السبت ولعنته التي مسخوا فيها قردة وخنازير على المختلفين فيه، وتقدمت قصة النسخ في الآية ١٦٤ من الأعراف في ج ١، وقال بعضهم إنما فرض عليهم السبت، ولما بعث عيسى نسخ بالأحد، كما أن شريعته عدلت بعض أحكام التوراة، ثم نسخ الأحد بالجمعة، لأن شريعة محمد صلّى الله عليه وسلم ناسخة لكل الشرائع، فكان أفضل الأيام الجمعة، وأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم.

«وَإِنَّ رَبَّكَ» يا خاتم الرسل «لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ» وبين غيرهم «يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» ١٢٤ من السبت وغيره كتحريم الإبل وحل الخنزير وقليل الخمر والزواج بالمحرمات وغير ذلك مما ابتدعوه، ولم ينزل الله به برهانا، قال تعالى يا سيد الرسل «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ» من بعثت إليهم قاطبة «بِالْحِكْمَةِ» بالحجة المزيلة للشك المزيحة للشبهة بالتؤدة واللين والرفق وإيراد الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة والحجج القاطعة لتأييد دعوتك «وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» الرقيقة اللطيفة بخطاب مقنع للخصم مقرون بالعبر المؤثرة والعظة النافعة والأمثلة الظاهرة بقصد نصحهم وطلب خيرهم وإرادة ميلهم إلى كلامك وجنوحهم إلى رشدك وهديك.

وهذه طريقة ثانية لأصول الدعوة إلى الله لأن الحكمة المعرفة بمراتب الأفعال، والموعظة الحسنة مزج الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة والشدة باللين. والطريقة الثانية هي المبينة بقوله جل قوله «وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» من غيرها بأن تناظر معانديهم بالطريقة الحسنة التي هي أحسن طرق المجادلة، وتبدي لهم لين العريكة وخفض الجانب والرفق بالمخاطبة، بلا غلظة ولا فظاظة ولا تعنيف، وتأتي لهم بكل ما يوقظ القلب ويجلو العقل وتنبسط له النفس وينشرح له الفؤاد، بوجه مطلق ملئه البشاشة، كي يكون إرشادك أوقع في قلوبهم، وهديك أنفع في نفوسهم، وكلامك أنفع لصلاحهم، ودلالتك أميل لقلوبهم. واعلم أن هذه الصفات التي يجب أن يتحلى بها العلماء والمتصدرون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها من سمات من ورثوا عنه العلم الذي هو صفوة خلق الله صلّى الله عليه وسلم، ويجب أن

<<  <  ج: ص:  >  >>