للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سورة الأنبياء المارة «وَمَنْ فِيهِنَّ» لفسد أيضا، وقد خص العقلاء لأن غيرهم تبع لهم، وهذا أيضا انتقال التوبيخ خامس. قال تعالى «بَلْ» لم نتّبع أهواءهم ولكن «أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ» قرآنهم على يد رسولهم، وقد أضافه إليهم لأنه منزل لهم «فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ» المختص بهم «مُعْرِضُونَ» ٧١ وهو فخرهم وشرفهم، قال تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية ٤٤ من الزخرف المارة، وفيها معنى الاستفهام، أي المعرضون عن ذكرهم الذي آتيناه إباهم وهو مجدهم وعزهم، كيف يكون ذلك منهم بل يجب أن يتمسكوا به ويعضوا عليه بالنواجذ، لا أن يعرضوا عنه، وهذا انتقال سابع لتوبيخ آخر. قال تعالى «أَمْ» متعلق بقوله (أم يقولون به جنّة) أي يزعمون أنك يا محمد «تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً» أجرا وجعلا على أداء الرسالة بمقابل نصحك لهم وإرشادهم إلى الحق ولذلك لا يؤمنون بك، كلا لا نطلب منهم شيئا على أداء وحي ربك «فَخَراجُ رَبِّكَ» يا محمد أي رزقه «خَيْرٌ» لك من الدنيا، وثوابه في الآخرة أخير مما يتصورونه لسعته ودوامه وعدم وجود المنّة فيه. والخراج بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غير ذلك، وهو في الأصل ضريبة الأراضي المعطاة إلى الدول، ففيه إشعار بالكثرة واللزوم بالنسبة إليه تعالى، ولذلك عبّر الله به عنه، وقرىء خرجا وهما في المعنى سواء «وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» ٧٢ لك في الدنيا والآخرة «وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ» يا سيد الرسل بلا مقابل «إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ٧٣ بوصلهم إلى الجنة دائمة النعيم «وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» وينكرون البعث والحساب والعقاب والثواب، كقومك وأمثالهم لا يميلون إلى دعوتك السامية المستقيمة لأنهم «عَنِ الصِّراطِ» المؤدي الدين الحق المنتهي لرضاء الله القائد لجنانه «لَناكِبُونَ» ٧٤ عادلون عنه مائلون إلى الاعوجاج «وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا» لتمادوا لأن اللجاج التناهي في الخصومة والتمادي في العناد أي لبقوا «فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ» ٧٥ لم ينزعوا عنه ولم يتركوه، والعمه عمى القلب والتردد في الأمر والحيرة في الهوى، كمن يضل عن الطريق لا يدري أين يتوجه، فلا رأي له ولا دراية.

<<  <  ج: ص:  >  >>