للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي سيكون بعدها، إذ أشار الله عنها ثلاث مرات، وسيأتي الإذن بها في ذكرها رابعا كما ستعلمه بعد. قال تعالى «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ» لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا ولكنكم «قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» ٧٨ الله على نعمه ولم تصرفوها لما خلقت لها ولم تقدروها حق قدرها ولم تؤدوا شكرها لخالقها، وإذ نفى عنهم قليل الشكر، فالكثير منتف من باب أولى. ولفظ ما يدل على أنهم يشكرون شكرا لا يذكر لقلته «وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ» خلقكم وبثكم «فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» ٧٩ يوم القيامة للحساب والجزاء «وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ» لا لغيره «اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ» في الزيادة والنقص، والظلمة والضياء، والحر والقر، ونعمة الاستراحة في الأول وطلب العمل في الثاني «أَفَلا تَعْقِلُونَ» ٨٠ صنائع الله ومنافعه التي أسداها إليكم فتستدلوا بها على عظمته، وتشكروه حق شكره، وتؤمنوا بالله ورسوله «بَلْ قالُوا» وهذا انتقال ثمن، أي قال هؤلاء الكفرة مع توالي نعمنا عليهم «مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ» ٨١ وهو أي قول الأقدمين «قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ» ٨٢ بعد ذلك، استفهام إنكار وتعجب معرضين عن التفكر والتدبر جانحين عن الاتعاظ والاعتبار قائلين كيف يكون هذا؟ وإنما «لَقَدْ وُعِدْنا» بالحياة بعد الموت «نَحْنُ» من قبلك يا محمد «وَآباؤُنا» من قبل وعدوا من قبل أمثالك «هذا» الوعد نفسه «مِنْ قَبْلُ» أن توعدنا أنت، وإذ لم نقف له على حقيقة فنقول لك «إِنْ هذا» الوعد ما هو بالوعد الحق وما هو «إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ٨٣ وخرافاتهم الواهية لا غير، ومن هنا يقال في ضرب المثل حديث خرافة. ونظير هذه الآية الآية ٦٧ من سورة النمل في ج ١. وخرافة هذا قيل إنه استهوته الجن سنين فلما تركته صار يحدث قومه بما رأى من عجائبهم بما لا تصدقه عقولهم، ولهذا صاروا كلما سمعوا شيئا لا يعقلونه يقولون حديث خرافة. هذا وبالنظر لظاهر الآية قد يفهم أنه جاء لآبائهم رسل وردوا عليهم بما ردوا به على محمد مع أنه لم يأتهم رسول ما بعد إسماعيل الذي لم يره آباؤهم، وإنما قالوا ما قالوا بالنسبة لما سمعوه من أخبار الأمم الماضية المكررة

<<  <  ج: ص:  >  >>