للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخيه مصعب، كان الأول طاغيا مؤثرا الدنيا على الآخرة، والثاني خائفا مقام ربه ناهيا نفسه عن هواها. وقد وقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق عنه الناس حتى نفدت المشاقص أي السهام في جوفه رضي الله عنه، فلما رآه صلّى الله عليه وسلم متشطحا في دمه قال عند الله احتسبك، وقال لأصحابه لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعله من ذهب. ولما أسر أخوه أبو عزيز لم يشدد وثاقه إكراما له، وأخبر بذلك قال ما هو لي بأخ شدوا أسيركم، فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا.

وعنه أيضا أنها نزلت في مصعب المذكور المعفور له المرضي عنه وفي أبي جهل المغضوب عليه المنفور منه، وقيل في النضر وابنه. والآيات عامات كما ذكرنا فيدخل فيها هؤلاء وغيرهم، إذ لا يوجد ما يقيدها بأحد، وذكرنا غير مرة أن نزول الآية لا يقصر معناها فيمن نزلت عليه أو فيه بل تعمه وغيره إذا لم يوجد مخصص. قال تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها»

٤٢ متى قيامها وإتيانها يا سيد الرسل لأنهم لا يعلمون «فِيمَ أَنْتَ» في أي شيء أنت تنطلع إليها أتريد أن تعلم وقتها، كلا، فإنك وجميع الخلق بعيد «مِنْ ذِكْراها» ٤٣ وبيان وقتها لأنك لست بالمبين زمنها لهم ولا بالعارف وقت قيامها، فقل لهم أنا لا أعلم عنها شيئا أبدا وقل «إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها» ٤٤ منتهى علمها عند الله فما هذا السؤال عنها وأنت من علاماتها لأنك خاتم الرسل، فوجودك دلالة على قربها، فليستعدوا لها «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها» ٤٥ ولهذا بعثت لا لبيان وقتها. واعلم أن هؤلاء الكفرة الملحّين بالسؤال عنها «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا» في دنياهم وقبورهم «إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها» ٤٦ أي بقدر زمن ضحى من يومها، لأن العشي لا ضحى له، وإنما الضحى لليوم، أي كان ما مرّ عليهم في حياتهم وبرزخهم بقدر هذا الجزء بالنسبة لأهوال ذلك اليوم وطوله. أخرج البزاز وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والحاكم- وصححه- عن عائشة قالت: ما زال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى أنزل الله تعالى عليه (فيم أنت من ذكراها) فانتهى عليه الصلاة والسلام فلم يسأل بعدها. وأخرج النسائي عن طارق بن شهاب قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت (فيم أنت من ذكراها)

<<  <  ج: ص:  >  >>