للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغريب الذي نفدت نفقته فبقي منقطعا عن أهله فينبغي لمن وسع الله عليه أن يعطيه ما يكفيه ويبلغه اهله. وليعلم أن الله تعالى إذا بسط رزقه على عبده فإن ما ينفقه منه في سبيل البر والخير لا ينقصه بل يزيده، كما انه إذا ضيق عليه فإن التشدد بالإمساك لا يوفر عليه، وفيه قيل:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ... على الناس طرا قبل أن تنفلت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ... ولا البخل ينميها إذا هي ولت

بل عليه الشكر إذا رزق، قال تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) والصبر عند الضيق، قال تعالى (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) الآية ٧ من سورة إبراهيم المارة. وما قيل إن هذه الآية مدنية والمراد بها الزكاة قيل لا قيمة له لأنها مكية كسورتها، واستثناؤها يحتاج إلى دليل، ولم يوجد، ومما يدل على أن المراد بها غير الزكاة الإجماع على مكيتها، والزكاة لم تفرض إلا في المدينة، وقد استنبط من هذه الآية الإمام أبو حنيفة وجوب النفقة لكل ذي رحم محرم ذكرا كان أو أنثى إذا كان فقيرا عاجزا عن الكسب على قريبه الموسر، ووجه استنباطه هو أن آت أمر، والأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف، وهو هنا معدوم، والظاهر من الحق بقرينة ما قبله أنه مالي، وقد جاء بجانب المسكين وابن السبيل بعد القريب، ولو كان المراد الزكاة لم يقدم ذو القربى عليهما لأنهم فيها سواء. هذا وما جاء عن أبي سعيد الخدري أنه لما نزلت هذه الآية أعطى عليه السلام فاطمة رضي الله عنها فدكا لم يثبت، وينفيه ما اشتهر أنها ادعت فدكا بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وسلم بطريق الإرث، وقد ردت دعواها لقوله صلّى الله عليه وسلم: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، - أو كما قال-. وقد ثبت لك أن الآية المدنية لا بد من دليل يؤيد مدنيتها، وهذه الآية مكة، وحادثة فدك بالمدينة ولا يوجد ما يؤيدها.

قال تعالى «ذلِكَ» إعطاء القرابة المساكين وأبناء السبيل فيه «خَيْرٌ» كثير لفاعله، وإنفاق المال لأمثال هؤلاء أحصن من الاستئثار للإنسان بما أتحفه الله به من النعم، ومنعه من الفقراء وشبههم «لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ» بإنفاقه ويتقربون به إليه «وَأُولئِكَ» المريدون وجه الله بصدقاتهم المعطون لها عن طيب

<<  <  ج: ص:  >  >>