للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ ١٥»

نزلت هذه الآية في جماعة لم تتبين لهم القبلة فصلوا جهة تحريهم، ثم بان خطؤهم، فأخبروا حضرة الرسول فنزلت. وهذه الآية كالإرهاص في تبدل القبلة، لأنهم كانوا يصلون إلى بيت المقدس. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يسبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومىء وكان ابن عمر يفعله. وفي رواية لمسلم كان النبي صلّى الله عليه وسلم يصلي على دابته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت دابته فيه، وفيه نزلت الآية، وفيها إيماء أيضا إلى اليهود بأنهم مهما سعوا في خراب المسجد فلن يستطيعوا أن يسعوا في تعطيل عبادة الله تعالى، لأنها لا تتوقف على المسجد بل يمكن تأديتها في أي مكان كان، وإلى أي جهة كانت. قال تعالى «وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» وهذه نزلت في يهود المدينة أيضا لقولهم عزير بن الله، ويدخل فيها النصارى القائلون المسيح بن الله، والعرب القائلون الملائكة بنات الله، لأنها صالحة للكل، فنزه نفسه الكريمة بقوله «سُبْحانَهُ» عما يقولون «بَلْ» هو إله الوالدين والمولودين، لم يتخذ منهم ولدا ولا صاحبة له «لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ملكا وعبيدا فكيف أن يتخذ منهم ولدا وهم «كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ١١٦» خاشعون طائعون مخبتون منقادون، وكلمة كل تقتضي الشمول والإحاطة، لأنه كلي يعم كل من فيهما وما بينهما، وبعض المفسرين خص الآية بالطائعين ولا دليل على التخصيص إلا القول بنفي الشمول عنها أحيانا، بدليل قوله تعالى (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) الآية ٢٤ من سورة النمل في ج ١، لأن بلقيس لم تؤت مثل ملك سليمان حتى يصح أن يقال إنها أوتيت من كل شيء بمعنى الشمول، وصاحب هذا القول يقول بأن (من) في الآية صلة أي زائدة وليس بشيء، إذ لا زائد في القرآن، ولا يوجد فيه حرف إلا وله معنى خاص أو عام. واعلموا أيها الناس أن هذا الإله الذي يخضع الكون بما فيه لهيبة جلاله هو «بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» على غير مثال سابق كما أبدع الإنسان والحيوان والطير والجماد كذلك، لأن الشيء إذا كان له مثال أو صورة وأنشئ على صورته أو مثله لا يسمى بديعا ولا فاعله مبدعا، لأن المبدع الذي يعمل الشيء

<<  <  ج: ص:  >  >>