للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «الْقارِعَةُ ١» كناية عن يوم القيامة وقد كررها تهويلا لما يقع فيها فقال «مَا الْقارِعَةُ ٢» أيها الناس شيء عظيم هي وكل قارعة مخوفة، دونها في الفظاعة ثم كررها ثالثا مع الاستفهام على سبيل التعظيم إيذانا بشدة أهوالها فقال «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان العاقل أي شيء أعلمك «مَا الْقارِعَةُ ٣» فإنك مهما بلغت من الإدراك لا تدري كنهها، وانك كيفما قد صورت وصورت فهي فوق ذلك لأنها تقرع القلوب بالفزع قرعا هائلا «يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ» فيه في مشيهم وتراصهم «كَالْفَراشِ» الحشرات التي تتهافت على الضياء والنار فإنها تترامى فوق بعضها لا تتجه إلى جهة واحدة مع أن القصد واحد لذلك وصفها الله بقوله «الْمَبْثُوثِ ٤» المتفرق شبه الله تعالى الخلائق في ذلك اليوم المهول بهذا النوع من الطير الصغير وتهافته على بعضه نحو الضياء لأنهم يوم يبعثون يتبعون صوت الداعي حيارى لا يعرفون أين يذهبون، يموج بعضهم في بعض من شدة الفزع الحاصل من شدة صوت الملك راجع تفسير الآية ٣٠٥ من سورة طه الآتية، فكما أن الفراش يظن أن في الضياء طريقا فيقصده ليمر به ويتهافت عليه فيتراكم بعضه على بعض فكذلك أهل الحشر حين يساقون إليه ولهذا شبههم به «وَتَكُونُ الْجِبالُ) الشامخات فيه أيضا «كَالْعِهْنِ» الصوف «الْمَنْفُوشِ» وقيل المصبوغ ألوانا مستدلا بقوله تعالى:

«جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ» الآية ٢٧ من سورة فاطر الآتية، وما جرينا عليه أنسب بالمقام لأن الآية المستدل بها تبين ماهية الطرق في الجبال وأن كل طريق بلون أرضه بمناسبة تعداد نعم الله على خلقه، وهنا يبين كيفية اضمحلال الناس معنى بالنسبة للجملة قبلها المبينة من تشتت الناس والجبال مع عظمتها أما الطرق فلم يسبق لها ذكر ولا مناسبة بينها وبين ما نحن فيه فتنبه أيها القارئ واعتبر، فإذا كان هذا حال الجبال الصلبة في ذلك اليوم تكون هباء وتتطاير كالصوف حالة النّدف. فكيف بك أيها الضعيف عند ما تقرع القارعة. وتأمل ما ذكره الله أول سورة الحج في ج ٣ وابك على نفسك، وقل اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وبك المستغاث وأنت المستعان وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم انه

<<  <  ج: ص:  >  >>