للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:]

نزل أوائل هذه السورة الكريمة في وفد نجران وكانوا ستين رجلا برئاسة العاقب عبد المسيح الذي لا يصدرون إلا عن أمره ورأيه في أمر دنياهم، والسيد الأيهم ثمالهم أي القائم بنفقاتهم ورحلهم، وابن حارثة بن علقمة أسقفهم أي حبرهم المطاع فيما يتعلق بأمور دينهم. ولم تر الأصحاب وفدا مهيبا مثلهم، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالإسلام، فقالوا أسلمنا قبلك، أي أنهم آمنوا بالمسيح المستقاة شريعته من الإنجيل والتوراة، ومن شريعة إبراهيم عليه السلام الذي سمى اتباعه المسلمين ودينه الإسلام، قال لهم يمنعكم ادعاؤكم بأن عيسى بن الله وعبادتكم الصليب، أي يهودا الإسخريوطي الذي صلب باسم المسيح عيسى عليه السلام، وأكلكم لحم الخنزير؟

فقالوا إذن من هو عيسى؟ فقال أنتم تعلمون أن لا يكون ولد إلا ويشبه أباه، قالوا بلى، قال ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى يأتي عليه الموت؟

قالوا بلى، قال ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟ قالوا بلى، قال فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا لا، قال ألستم تعلمون أن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب؟ قالوا بلى، قال ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟ قالوا بلى، قال فكيف يكون إلها ما زعمتم؟ فسكتوا، فأنزل الله صدر آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها. وفي رواية قالوا يا محمد ألست تزعم أن عيسى كلمة الله وروح منه؟

قال بلى، قالوا حسبنا، فرد الله عليهم بأنه لا إله إلا هو الدائم الباقي القائم على كل شيء والمدبر لكل شيء، فكيف يثبتون له ولدا وهو لم يلد ولم يولد؟

قال تعالى «نَزَّلَ عَلَيْكَ» يا سيد الرسل «الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ» من الكتب السماوية «وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» على موسى وعيسى كما أنزله عليك، ولم يذكر الزبور لأنه عار عن الأحكام وهو عبارة عن أدعية واستغاثات، وكان إنزال تلك الكتب ومن قبلها الصحف «مِنْ قَبْلُ» إنزال

<<  <  ج: ص:  >  >>