للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفعل ما هو من مقتضى مشيئته. وبعد أن أمر الله تعالى رسوله في ذلك الدعاء المشار إليه في الآيتين المارتين وأفهمه بأنه هو الذي يملك الملوك ويمنح العزة لمن يشاء من عباده ليتحققوا ويتيقنوا أن لا يكون شيء إلا بإرادته، طفق يحذره من الاتصاف بأحوال لا تتفق وكرامة المؤمن الصادق الواثق بربه، فقال «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ» أنصارا لهم وأعوانا على غيرهم «مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» إذ قد تؤدي موالاتهم للتفريط في حقوق الله والإفراط في حقوق المؤمنين «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ» فيواليهم ويحبهم وينقل أخبار المسلمين إليهم «فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ» ولا قيمة لهم عند الله، ولا وزن، وقد يفضي لغضب الله انظر لقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) الآية ١٤٤ من سورة النساء الآتية، وان الله تعالى نهى حتى عن اتخاذ الآباء والأبناء أولياء إذا كانوا كفارا كما سيأتي في الآية ٢٥ من سورة التوبة الآتية. وسيأتي في الآية ١١٨ مما هو من هذا القبيل وأشد، لأن موالاتهم توجب معاداة الله، وقيل في هذا:

تودّ عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك ليس النوك عنك بعازب

أي ليس الحمق عنك بمفارق بل هو ملازم لك ما دمت على هذه الحالة وقول الآخر:

إذا والى صديقك من تعادي ... فقد عاداك وانقطع الكلام

وهذا تكرر النهي عن ذلك في القرآن العظيم كما سيأتي في الآيتين المذكورتين والآية ٥٤ من سورة المائدة وأول سورة الممتحنة وآخر سورة المجادلة الآتيات، فضلا عما جاء في الأحاديث الصحيحة من تحذير موالاتهم بصداقة أو مصاعرة أو قرابة أو نسبة أو لأمر ما من أسباب المعاشرة والتقرب إليهم، لأن المحبة يجب أن تكون لله وفي الله ومن أجله، والبغض كذلك في سبيل الله ولا نتهاك حرماته، ولأجل أوليائه، وهذا أصل من أصول الدين التي يجب التقيد فيها، وهذا لا يعني عدم مراعاة حقوقهم ومحافظتهم وكف الأذى عنهم وعيادتهم في الأفراح والأتراح وزيارتهم ومجالستهم وغيرها، لأنه حق على المسلمين كلهم لقوله صلّى الله عليه وسلم لهم ما لنا وعليهم ما علينا إذا قاموا بالشروط المأخوذة عليهم وأدّوا الجزية المفروضة عليهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>