للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا وان حضرة الرسول بين بالأحاديث المتقدمة في سورة البقرة ما يكون فيه الربا من الأنواع الستة مما حدا بسيدنا عمر رضي الله عنه أن يقول ما قال وهو ما بينه الرسول صلّى الله عليه وسلم بأحاديثه التي بلغت عمر وما يلتحق بها فحسب، أو أن المراد بالربا معناه اللغوي، فيدخل فيه ما ذكره الرسول وما لم يذكره مما يتدرج تحت المعنى اللغوي الذي هو زيادة على مزيد عليه في معاملة بين طرفين عينا كانت أو نقدا، حاضرة أو نسيئة، ويدخل في هذا الباب الأوراق النقدية التي أحدثتها الحكومة وأمرت بالتعامل بها بدلا من الذهب والفضة بين الناس في مبايعاتهم وأنكحتهم وغيرهم إذا بيعت بالتفاضل حالا أو نسيئة، لأن الله تعالى حرم الربا بصورة عامة لم يقيده بشيء ما، والحديث الشريف إنما عد الأشياء الستة لأنها كانت مما يرابى بها بالمدينة ولم يحصرها بها ليقال لا يجوز أن يزاد على ما ذكره الرسول، ولا يقال إن هذه الأوراق من قبيل العروض فلا مانع من التفاضل ببيعها، لأن العروض لها قيم خاصة معروفة ومجهولة، أما الأوراق النقدية لولا طابع الدولة فلا قيمة لها، لأن الذي جعلها تتداول بين الناس بمثابة الذهب والفضة هو طابع الدولة وتكفلها بدفع قيمتها عند الحاجة. واعلم أن القول بعدم الربا في هذه الأوراق يجرّ إلى القول بعدم وجوب الزكاة فيها والنقد المتداول كله منها، فيتعطل ركن من أركان الدين الإسلامي والعياذ بالله. هذا، ونعود إلى البحث الأول فنقول وبالله التوفيق وبيده أزمة التحقيق: إذا كان المراد بالربا معناه اللغوي أي مطلق الزيادة اعتبار بإطلاق الآية المندرج تحتها كل ما فيه تفاضل فيا ترى ما حد هذا الاندراج، أيشمل ما قصد وما لم يقصد فيشمل زيادة العين وزيادة الانتفاع وغيرهما، أم لا يشمل إلا ما قصد إليه في المعاملة فحسب، أم هو المراد؟ فلهذا ود عمر أن يكون بينه الرسول حتى لا يقع في هذا التورط الشاق وهذه المسئولية العظيمة، وكيف لا وهو إن أخذ بالأول من غير مرجح له وحمل الناس عليه أوقعهم في معاملات كثيرة قد تكون الآية شاملة لها إن كان المراد المعنى الثاني، وإن أخذ بالمعنى الثاني ولم يكن مرادا في نفس الأمر أحرج الأمة وضيق عليها فيما لا قطع فيه، لذلك احتاط لنفسه في الفتوى وأخذ بأحوط الأمرين لأنه تردد بين احتمال مبيح واحتمال محرم، ت (٢٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>