للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثرة هطوله المنبئ عنه قوله تعالى «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً» شققناها عن عيون جارية «فَالْتَقَى الْماءُ» النازل من السماء مع النابع من الأرض «عَلى أَمْرٍ» حال ووقت «قَدْ قُدِرَ ١٢» زمانا ومكانا، حسبما هو مقدر في علم الله وقوعه عليهم بهذه الصورة المقدرة على عدم ايمانهم بأن يخالفوا رسولهم ويموتوا غرقا، فقضى عليهم قضاء مبرما لا مرد له فأهلكوا جميعا غيره ومن آمن به لقوله جل قوله «وَحَمَلْناهُ» أي نوحا وأهله المؤمنين ومن آمن به لأنهم تبع له «عَلى ذاتِ أَلْواحٍ» من الخشب «وَدُسُرٍ ١٣» مسامير «تَجْرِي» بهم تلك السفينة التي أمرنا بصنعها الموصوفة بصفة تقوم مقامها ونعت ينوب منابها، وهو جائز إذا لم يفصل بينها وبين صفتها فاصل كما هنا، وهو ومن فصيح الكلام وبديعه كما تقول حيّ مستقيم القامة عريض الأظفار كناية عن الإنسان، ومنه قوله:

مفرشي صهوة الحصان ولكنّ ... قميصي مسرودة من حديد

أي أنه درع، وقد يكون من باب حذف الموصوف لدلالة الصفة عليه حسب القواعد النحوية أي سفينة ذات ألواح ودسر، وهو جائز فيما هو معلوم كهذه وجريانها ذلك «بِأَعْيُنِنا» ومرأى منا بحفظنا ورعايتنا، وكان هلاكهم بهذه الكيفية «جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ١٤» به وهو نوح عليه السلام لأنه كان نعمة لهم فكفروا به، وهكذا كل نبي فإنه يرسل نعمة لقومه لينقذهم من الهلاك، قال تعالى:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً) الآية ٢٨ من سورة إبراهيم في ج ٢، قال تعالى «وَلَقَدْ تَرَكْناها» أي تلك السفينة وأبقيناها «آيَةً» دالة على قدرتنا ليعتبر بها من رآها ومن يأت بعدهم «فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ١٥» متعظ بها فيعتبر وعود الضمير هنا للسفينة على ما جرينا عليه لسبق ذكرها أولى من عوده إلى الواقعة أي الحادثة نفسها، وهي الفعلة التي فعلها الله بهم وأبقى ذكرها مستمرا تتناقله الأجيال وتذكره الكتب القديمة والحديثة بأن أبقاها بأرض الجزيرة حتى رآها أوائل هذه الأمة، وحتى الآن يشار إلى موضعها فيها. وأصل مدكر مذدكر، أبدلت الدال والتاء دالين وأدغمتا في بعضها، وهكذا كل كلمة من باب افتعل يفعل بها

<<  <  ج: ص:  >  >>