للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد مات تسعة أعشار العلم. ومما يدل على عدم صحة هذا أن ليس هناك مصحف ليكتبها على هامشه، لأن المصاحف دونت زمن عثمان رضي الله عنه، أما سكوت من سمع خطبته المزعومة من الأصحاب على فرض وقوعها لا يعد حجة لأن الإجماع السكوتي مختلف في حجيّته، بل الأرجح عدم حجيّته، ومن هذا القبيل الطّلاق الثلاث بلفظ واحد، إذ نسب إلى سيدنا عمر إيقاعه بتّا، وإنه أمر بذلك لكف تهاون النّاس بالطلاق، وإن الأصحاب لم يردّوا عليه فلم يعتد بسكوتهم لما ذكرنا، ولهذا اختلفت آراء المحدثين في ذلك، فمنهم من أبرم إيقاعه ثلاثا، ومنهم من عده واحدا، وعلى التسليم جدلا بحجية الإجماع السّكوتي لا يقطع بأن المجتهدين من الأصحاب كانوا حضورا لأن حضور عوامهم لا يكفي، ولهذا قال علي كرم الله وجهه حين جلد شراحة ثم رجمها جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم ولم يعلل الرجم بالقرآن المنسوخ تلاوته، وهو أعلم من غيره بكتاب الله وسنة رسوله، ولا يقال جمع بين الجلد والرّجم لأنه جلدها بصفتها غير محصنة، فلما تبين له إحصانها رجمها، وإن رأيه الصّائب عليه السّلام أن جلد غير المحصن حكم زائد ثبت بالسنة هو الرّأي المعمول به الموافق لكتاب الله وسنة رسوله، وبذلك قال أهل الظّاهر وهو رواية عن احمد واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود من قوله صلّى الله عليه وسلم الثيب بالثيب جلد مئة ورمي بالحجارة، وفي رواية غيره ويرجم بالحجارة. ومن هذا الذي يقدم على معارضة أولى النّاس بحدود الله بعد رسوله؟ هذا وإن أوهى الأقوال قول من قال إن الآية المنسوخة نسخت هذه القاضية بالجلد وهي غير موجودة ومطعون في وجودها أي نزولها، فالعجب كلّ العجب من جرأة البعض على كلام الله تعالى ورغبتهم بالنسخ حتى توصلوا إلى هذا الحد الذي لا يقوله من عنده لمعة من ورع أو ذرة من تقوى أو لمحة من إيمان، وقد أشرنا غير مرة إلى أن لا قرآن إلا ما هو بين الدّفتين لم يسقط منه حرف واحد أبدا، فهذا الحكم الأوّل من الآيات البينات، والحكم الثاني بينه

بقوله «الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً» لأنها دونه وشر منه «وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ» لأنه دونها وشر منها أيضا، ولهذا قال تعالى «وَحُرِّمَ ذلِكَ» أي نكاح الزانية

<<  <  ج: ص:  >  >>