للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسحوقا مكسرا ولم تكرر هذه الكلمة في القرآن، والمعنى أن المشرك بالله يهلك نفسه إهلاكا ما بعده إهلاك ويدمّر نفسه تدميرا فظيعا شنيعا «ذلِكَ» الذي يجتنب الرّجس ويخلص لله فقد عظم شعائر الله «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها» خصلة التعظيم ما تكون في الإنسان إلا «مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» (٣٢) التي هي مراكز التقوى وملاك القوى. والشّعائر جمع شعيرة وهي العلامة من الأشعار الذي هو الأعلام وكلّ ما هو من معالم الحج يسمى شعيرة، ومنها الهدايا والضّحايا وتعظيمها استحسانها واستسمانها «لَكُمْ فِيها» أي الهدايا المشعرة وذلك أنهم كانوا يطعنونها في سنامها من أيمنه أو أيسره حتى يسيل منها الدّم فيعلم من يراها أنها هدي فلا يتعرض لها «مَنافِعُ» في نسلها ودرعا وصوفها ووبرها وركوبها وبيع أولادها ما زالت عندكم تنتفعون بها «إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» هو وقت نحرها إذا سماها هديا أو أوجبها ضحية وبعد التسمية لا حق له بشيء منها ولا بمنافعها، إلا أنه يجوز ركوبها فقط لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها، فقال يا رسول الله إنها بدنة، فقال اركبها ويلك- أخرجاه في الصّحيحين- فيظهر من هذا أن جعلها هديا لا يمنع من ركوبها «ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» (٣٣) وأن منفعتها العظمى بعد تلك المنافع تكون عند منحرها بالحرم المنتهية إليه إذ تذبح هناك وينال صاحبها منفعتها الكبرى الدائمة عند الله تعالى في يوم يكون صاحبها أحوج منه إلى غيره. أما منفعتها الدنيوية ففانية، والمراد بالبيت هنا ما يشمل الحرم كله على حد قوله تعالى (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) الآية ٩٨ من سورة المائدة الآتية وهي كلها منحر. قال تعالى «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ» من الأمم «جَعَلْنا مَنْسَكاً» بفتح السّين لإراقة الدّم وذبح القرابين خصصنا موضعا «لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ» عليها عند ذبحها شكرا لجلاله «عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» التي يتقرب بها إليه دون غيرها ولذلك أضاف لها الأنعام لأن البهيمة مبهمة في كلّ ذات أربع في البر والبحر مما يؤكل ومالا «فَإِلهُكُمْ» أيها الحاضرون وإله الّذين من قبلكم ومن بعدكم إلى يوم القيامة وبعدها «إِلهٌ واحِدٌ» عالم قدير خالق رازق محيي مميت منعم معذب

<<  <  ج: ص:  >  >>